من ابتدع زخرفة المساجد الوليد بن عبد الملك لَمَّا بعث خالد بن عبد الله القسرى. (وعلى الجملة) فقد كان السلف رضى الله
عنهم يكرهون تزويق المساجد والقبلة بالزخرف وتحلية المصاحف، وفى الخبر:"إذا ما زخرفتم مساجدكم وحليتم مصاحفكم فالدمار عليكم" كذا في "القوت" لأبي طالب المكى.
وأما اتخاذ المحاريب فلم يكن في زمانه - صلى الله عليه وسلم - محراب قط، ولا زمان الخلفاء الأربعة فمن بعدهم، وإنما حدث في آخر المائة الأولى مع ورود الحديث بالنهى عن اتخاذه، وأنَّه من شأن الكنائس، وأن اتخاذه في المساجد من أشراط الساعة.
روى البيهقي من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اتقوا هذه المذابح" يعنى المحاريب، وعن ابن مسعود رضي الله عنه:"أنه كره الصلاة في المحراب وقال: إنما كانت للكنائس فلا تشبهوا بأهل الكتاب" أخرجه البزار، وفى "مصنف ابن أبي شيبة" عن موسى الجهنى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لا تزال هذه الأمة - أو قال: أمتى - بخير ما لم يتخذوا في مساجدهم مذابح كمذابح النصارى"، وفيه أيضًا عن أبى ذر قال:"إن من أشراط الساعة أن تتخذ المذابح في المساجد" ومن أراد الزيادة على هذا فليرجع إلى "المنهل العذب المورود شرح سنن أبى داود".
(وعلى الجملة) فهذا قليل من كثير في بدع المساجد تركناه إتكالًا على فطانة. المرشد وكمال استعداده، على أن بدع المساجد الآن صارت من الوظائف، يعيش بها كثير من الناس، ويصعب على المرشدين محاربتها مهما أوتوا من علم وحكمة، ولا دواء لإزالتها إلا أن تقوم الخطباء أولًا بإقناع العامة بأن هذه الأمور الواقعة في المساجد هى من البدع والحدث في الدين، ثم تطلب من وزارة الأوقاف العمل على إماتتها، وهى وزارة إسلامية رشيدة لا تريد سوى العناية بالشعائر الدينية الصحيحة وإصلاح المعابد والمساجد التى أعدت لإقامتها، وفى ظننا أن ذلك سهل الحصول بعد أن صارت إدارة المساجد في يد رجل حكيم نابغ من العلماء، والله تعالى يقول الحق وهو يهدى السبيل.