للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الحديث يؤخذ كراهة رفع الأصوات في المساجد وكثرة اللغط، وقد أصبحت المساجد الشهيرة اليوم بالأسواق أشبه فلا حول ولا قوة إلَّا بالله.

ومن البدع المكروهة رفع الصوت بالذكر في المسجد كما يقع من أرباب الطرق الذين ينصبون حلقات الذكر (المحرف)، وكذا رفع الصوت بالقرآن فيه إذ

المطلوب في القراءة والذكر السر، لحديث: "السر بالقرآن كالسر بالصدقة" رواه غير واحد، ولقوله تعالى: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ} (١): أي اذكر سرًّا تذللًا وخوفًا منه تعالى {وَ}: فوق السر، {دُونَ الْجَهْرِ}: أي قصدًا بينهما، {بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ}: أول النهار وآخره، {وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ} عن ذكر الله تعالى. وفسر الاعتداء في قوله تعالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} (٢) بالجهر بالدعاء. وممَّا جاء في الحض على ترك الجهر بالذكر والدعاء قوله تعالى: {وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى} (٣): أي وإن تجهر بذكر الله من دعاء وغيره فاعلم أنه غنى عن جهرك لأنَّه تعالى يعلم ما أسررته للغير وأخفى منه وهو ما لم تبح به لأحد. وقد صح عن ابن مسعود رضي الله عنه: "أنه سمع قومًا اجتمعوا في مسجد يهللون ويصلون على النبي - صلى الله عليه وسلم - جهرًا فذهب إليهم وقال: ما عهدنا ذلك على عهده - صلى الله عليه وسلم -، وما أراكم إلَّا مبتدعين فما زال يذكر ذلك حتى أخرجهم من المسجد".

(ومن هذا) ظهر لك حال ما ابتدع الناس من قراءة العشر جهرًا قبل الشروع في الصلاة خصوصًا العصر، وكذلك الجهر بختم الصلاة المعروف، فإن كل ذلك على هذه الكيفية المعروفة من البدع المكروهة من حيث أنه جعل شعارًا للصلاة جماعة في وقتها، ووضع الشعائر من اختصاصات الشارع وليس لغيره أن يحدث شيئًا من الشعائر من عند نفسه، وسيأتى هذا في بدع العبادات.

ومن البدع المكروهة تزويق المساجد وزخرفة المحاريب وهى أشد كراهة من زخرفة بقية أجزاء المسجد؛ لأنَّه يشغل قلب المصلى، ولأن شيئًا من ذلك لم يكن في العهد الأول، وأمر عمر رضي الله عنه ببناء مسجد وقال للبناء: أكِنَّ الناسَ من المطر وإيَّاك أن تُحَمِّرَ أو تُصفِّرَ، وأول


(١) [سورة الأعراف: الآية ٢٠٥].
(٢) [سورة الأعراف: الآية ٥٥].
(٣) [سورة طه: الآية ٧].

<<  <   >  >>