أعيان العلماء وأولى الجد في الدين والقيام بمصالح المسلمين خاصة وعامة والثبات على الكتاب والسنة غير مكترث بالملوك فضلًا عن غيرهم لا تأخذه في الله لومة لائم، فقدمت إليه فتيا فيها: ما تقول أئمة الدين وفقهم الله في القيام الذى أحدثه أهل زماننا مع أنه لم يكن في السلف، هل يجوز أو لا يجوز ويحرم؟ فكتب إليه في الفتيا قالا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا ولا تقاطعوا وكونوا عباد الله إخوانًا" وترك القيام في هذا الوقت يفضى للمقاطعة والمدابرة، فلو قيل بوجوبه ما كان بعيدًا.
هذا نص ما كتب من غير زيادة ولا نقصان، فقرأتها بعد كتابتها فوجدتها
هكذا، وهو معنى قول عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه:"تحدث للناس أقضية على قدر ما أحدثوا من الفجور": أي يحدثون أسبابًا يقتضى الشرع فيها أمورًا لم تكن قبل ذلك لأجل عدم سببها قبل ذلك لا لأنها شرع متجدد، كذلك هاهنا، فعلى هذا القانون يجرى هذا القسم بشرط أن لا يبيح محرمًا ولا يترك واجبًا، فلو كان الملك لا يرضى منا إلا شرب الخمر أو غيره من المعاصى لم يحل لنا أن نواده بذلك، وكذلك غيره من الناس ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وإنما هذه أمور لولا هذه الأسباب المتجددة كانت مكروهة من غير تحريم، فلما تجددت هذه الأسباب صار تركها يوجب المقاطعة المحرمة، وإذا تعارض المكروه والمحرم قدم المحرم والتزم دفعه وحسم مادته، وإن وقع المكروه، هذا هو قاعدة الشرع في زمن الصحابة وغيرهم، وهذا التعارض ما وقع إلا في زماننا فاختص الحكم به.
وما خرج عن هذين القسمين إما محرم فلا تجوز الموادة به، أو مكروه تنزيهًا فلم يحصل فيه تعارض بينه وبين محرم. انتهى.
فالقيام محرم إن فعل تعظيمًا لمن يحبه تحبرًا، ومكروه إذا فعل تعظيمًا لمن لا يحبه لأنَّه يشبه فعل الجبابرة، ويوقع فساد قلب إلذى يقام له، ومباح إذا فعلى إجلالًا لمن لا يريده، ومندوب للقادم من السفر قرحًا بقدومه ليسلم عليه أو يشكر إحسانه، أو القادم المصاب ليعزيه بمصيبته، وكان رسول الله صلوات الله وسلامه عليه يكره أن يقام له فكانوا إذا