للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يدينون بما ورثوه عن آبائهم وأسلافهم من العادات والبدع والتقاليد وإن أنكرته الشريعة، ولقد تمكنت هذا العادات والبدع من نفوسهم وصار لها السلطان القوى على أفئدتهم وعقولهم لكثرة مزاولتهم لها وإلفهم إياها، فأصبحوا لا تنقاد نفوسهم للنصيحة، وإذا قيل لهم: إن الشريعة تأمر بكذا ممَّا يخالف عاداتهم أو تنهى عن كذا ممَّا عليه العادة! قالوا: ولكن العادة على خلاف ذلك، وليس لنا إلا اتباع العادات: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ} (١).

وممَّا زاد في سوء الحالة سكوت السادة العلماء على كثير من البدع وإقرارهم لها خوفًا من أذى العامة أوعدم قبولهم للنصيحة، وإهمال نشر تعاليم الدين الصحيحة بين الناس حتى هان الدين على النفوس، فإذا دعاهم داع إلى إحياء السنة وإماتة البدعة قالوا: { … قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ … } (٢) والناس أحباء ما ألفوا، أعداء ما جهلوا.

ولقد علمتنا سنة الله في خلقه أن كل قانون أو نظام لا يكون له من القوة سياج يحميه ويدفع عنه، ويمنع عبث العابثين به، فإنه لا يلبث أن تتعطل أحكامه، وتنطمس آثاره، وتتبدل معالمه وتتوارى محاسنه، ويهون مكانه على النفوس فيقل أخذ الناس به ويشتد انصرافهم عنه مهما كان كافلًا لمصالحهم، محققًا لسعادتهم وصلًا بهم إلى خيرى الدنيا والآخرة، ذلك بأن النفوس نزاعة إلى الهوى وثابة إلى الشهوات، ومن شيمتها الإخلاد إلى ما ألفته من العادات؛ لهذا كان من اللازم

النشاط في الدعوة إلى الله تعالى، وأن يكون من وراء هذه الدعوة قوة تؤيدها وتدافع عنها، ولهذا جاءت الشريعة الغراء بالحدود والزواجر والدعوة إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة، وما يزع الله بالسلطان أكثر ممَّا يزع بالقرآن.

فواجب على العلماء أن يؤدوا الأمانة، وأن يشمروا عن ساعد الجد لهداية الناس وإرشادهم إلى سنن الدين، أن يبينوا للناس ما أنزل الله من البينات من والهدى، فتحيا السنة وتموت البدعة، ويحيا الدين وتسعد الأمة، وواجب على ولاة المسلمين وأمرأئهم أن يشدوا أزر العلماء وأن


(١) [سورة البقرة: الآية ١٧٠].
(٢) [سورة فصلت: الآية ٥].

<<  <   >  >>