للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يكون مشروعًا باعتبار غير مشروع باعتبار آخر. وبهذا تعلم أن من ينكر البدعة المذكورة إنما ينكرها بالاعتبار الثاني، فالاعتراض عليه منشؤه عدم الدراية بحقيقة البدعة وبما يقصده المنكر لها، وعلى المرشد أن يكون حكيمًا في مثل هذه البدعة الإضافية فينبه الناس إليها برفق ولين ولا يكون مثار فتنة. (هذا) وإن صاحب البدعة الإضافية يتقرب إلى اللّه تعالى بمشروع وغير مشروع كما علمت من الأمثلة السابقة والتقرب يجب أن يكون بمحض المشروع، إذ لا يقرب العبد إلى اللّه تعالى إلا العمل بما شرع، وعلى الوجه الذى شرع، فكما يجب أن يكون العمل مشروعًا باعتبار ذاته يجب أن يكون مشروعًا باعتبار كيفيته كما يفيده حديث:

"من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد" [رواه مسلم].

فالمبتدع بدعة إضافية قد خلط عملًا صالحًا وآخر سيئًا وهو يرى أن الكل صالح فلا يدخل في عداد من ترجى توبته لأنَّه لا يرى لنفسه ذنبًا حتى يتوب منه، بل يرى أن كل ما يعمله حسن. ولا توبة لمن لم يعرف لنفسه ذنبًا ولهذا قال أئمة المسلمين كسفيان الثورى: إن البدعة أحب إلى إبليس من المعصية؛ لأن البدعة لا يتاب منها والمعصية يتاب منها، ومعنى قولهم: إن البدعة لا يتاب منها: أن المبتدع الذى يتخذ دينًا لم يشرعه الله ورسوله قد زين له سوء عمله فرآه حسنًا فهو لا يتوب ما دام يراه حسنًا؛ لأن أول التوبة العلم بأن فعله سيئ ليتوب منه أو أنه ترك حسنًا مأمورًا به ليتوب ويفعله، فما دام يرى فعله حسنًا وهو سيئ في نفس الأمر فإنه لا يتوب، وفى الحديث من رواية ابن أبى عاصم وغيره عن النبي صلوات اللّه وسلامه عليه قال: "يقول الشيطان أهلكت الناس بالذنوب وأهلكونى بـ (لَا إلهَ إِلَّا اللَّه) والاستغفار فلما رأيت ذلك ثَبَّتُّ فيهم الأهواء فهم يذنبون ولا يستغفرون لأنهم

يحسبون أنهم يحسنون صنعًا" ولكن التوبة ممكنة وواقعة بأن يهديه اللّه حتى يتبين له الحق كما هدى سبحانه وتعالى من هدى من الكفار والمنافقين وطوائف أهل البدع والضلال، فقد يعرض الدليل على المخالف فيرجع لاقتناعه به كما رجع من الحرورية الخارجين على الإمام على رضي الله عنه ألفان. وهذا يكون بأن يتبع من الحق ما علمه فمن عمل بما علم أورثه الله علم ما لم يعلم، كما قال تعالى: {وَالَّذِينَ

<<  <   >  >>