للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيجعل ناسخًا للآخر كان الأولى أن يجعل هذا الحديث الذي احتج به العراقيون ناسخًا للحديث الآخر، لأن فيه زيادة فضل فلا يصح أن يكون هو المنسوخ؛ لأن الله تعالى إذا تفضل على عباده بثواب يبنيه على عمل يعملونه لم ينسخه بقطع ذلك الثواب عنهم ولا ينقصه منه ألا بذنب يستحقُّونه كما قال تعالى: {فبظُلم مَن الذينَ هادُوا حرمنا عَلَيهِم طَيبات أُحلت لَهُم} (١) ، والله تعالى أعلم، قالً أبو محمد بن حزم: هذا الحديث متأخر عن خبر المنهي؛ لأن أبا هريرة متأخر الصحبة، وأخبار النهى رواها عمر بن الخطاب وعمر بن عنبسة وإسلامهما قديم، انتهى كلامه. وفيه نظر، من حيث ان الغالب ورود النهى على الإباحة، وأيضًا فقد أسلم هذين، وتأخر إسلام أبي هريرة، ولا يثبت نسخه لاحتمال أن يكون قال ذلك قبل موته بشهر أو سبعة، فلما نقدوا التاريخ طلبنا شيئًا ليس يسرى به في أحد الجانبين فوجدنا عمر بن الخطاب، وإن كان قديم الصحبة فأصحبه إلى وفاته، فيحتمل أن يكون/سمعه بآخرة وعمرو بن عبسة كذلك في قدم الإِسلام لكنه سار إلى بلاد قومه قبل فرض الصلاة فكان يقول: ثنا رابع الإِسلام ثم قدم قبل فتح مكة فتبيّن أن رواية للنهى كانت بعد صحبة ثانيا، فإذا كان كذلك كان متأخّرا عن إسلام أبي هريرة يقيناً، ثم إنّ جماعة من السلف قالوا به منهم: كعب بن شجرة، ونام ابن له عن الفجر حتى طلعت الشمس، قال: فقمت أصلى فدعاني كعب فأجلسني حتى ارتفعت الشمس، وابيضَّت ثم قال: قم فصل ذكره أبو محمد بن حزم من جهة الثوري عن سعيد بن إسحاق بن كعب عن عشرة عنه وأبو بكرة بضع بن الحارث فيما حكاه ابن المنذر، وأمّا قوله: وأحاديث النبي رواها هاتان فغير صحيح؟ لأن جماعة غيرهم رووها، ويأتي ذكرهم إن شاء الله تعالى عن الموضع اللائق بهذا الكتاب.


(١) سورة النساء آية: ١٦٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>