للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

" يقطع الصلاة … "، فذكره، وكان مخالفًا هذه الأحاديث، وكان كلّ واحد

منهما أثبت منه، ومعها ظاهر القرآن إنَّ متبرك إن كان ثانيًا إلّا بأن يكون

منسوخًا، ونحن لا نعلم المنسوخ حتى يعلم الآخر، ولسنا نعلم الآخر، ويراد

بأن يكون غرِ محفوظ، وهو عندنا غير محفوظ؛ لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى وعائشة

بينه وبين القبلة، وصلى وهو حائل أمامه، ولو كان ذلك يقطع الصلاة لم

يفعل واحدًا من الأمرين، وصلى إلى غير سترة، وكل واحد من هذين الحديثين

يرد ذلك الحديث، وقد قضى الله تعالى أنه لا يزر وازرة وزر أخرى والله

أعلم. يدل على أنَّه لا يبطل عمل رجل عمل غيره، وأن يكون سعى كل

لنفسه، وعليها، فلما كان هذا كذا، لم يجز أن يكون مرور رجل يقطع صلاة

غيره، قال البيهقي: حديث أبي ذر صحيح إسناده، ونحن نحتج بأمثاله في

الفقهيات، وإن كان البخاري لا يحتج بدون شواهد عن أبي هريرة وابن عباس

عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد اشتغل- يعني: الشافعي- بتأويله في رواية حرملة وهو به

أحسن، فقال في حديث: " يقطع الصلاة: المرأة، والكلب، والحمار " قال:

يقطع عن الذكر الشغل ما، والالتفات إليها؛ لأنها تفسد الصلاة، وذكر معناه

في سن حرملة، وقواه واحتج بحديث عائشة، وابن عباس والذي/يدلّ على

صحة هذا التأويل؛ أنَّ ابن عباس أحد رواة قطع الصلاة، بذلك روى عنه أنه

حمله على الكراهة، وذلك فيما رواه سماك عن عكرمة فقيل لابن عباس:

أيقطع الصلاة المرأة، والكلب، والحمار فقال: (إليه يصعد الكلم الطيب

والعمل الصالح يرفعه) (١) فما يقطع هذا ولكن يكره، وفي كتاب أبي نعيم

الفضل: ثنا ابن عيينة عن ليث عن طاوس عن ابن عباس قال: " ادرءا عن

صلاتكم ما استطعتم، وأشد ما يبقى عليها الكلاب " (٢) . وثنا ابن عيينة عن

ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: " الكلب الأسود البهيم الشيطان، وهو يقطع


(١) سورة فاطر آية: ١٠.
(٢) بنحوه. رواه أبو داود (ح/٧٢٠) ، والبيهقي (٢/٢٧٨) ، والتمهيد (٤/١٩٠) . ولفظه:
" عن أني الوداك قال: مرَ شاب من قريش بين يدي أبي سعيد الخدري وهو يصلى فدفعه، ثم
عاد فدفعه، ثلاث مرات، فلما انصرف قال: إنّ الصلاة لا يقطعها شيء، ولكن قال رسول
الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ادرؤا ما استطعتم فإنه شيطان " قال أبو داود: إذا تنازع الخبران عن رسول القه
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُظر إلى ما عمل به أصحابه من بعده ".

<<  <  ج: ص:  >  >>