النظر على ذلك أن يكون نبيذ التمر أيضًا كذلك، وقد أجمع العلماء أن نبيذ
التمر إذا كان موجودا في حال وجود الماء أنّه لا يتوضأ به؛ لأنه له ليس ماءً
فكما كان خارجًا عن حكم المياه في حال وجود الماء، كان كذلك هو في
عدم الماء، وتوضأ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان وهو غير مسافر، فلو ثبت هذا الأثر أنّ النبيذ
يجوز التوضيء به في البوادي والأمصار، ثبت أنّه يجوز التوضيء به في حال
وجود الماء وعدمه، فلما أجمعوا على ترك ذلك والعمل بضدّه ثبت بذلك
تركهم الحديث، وخرج حكم ذلك النبيذ من حكم سائر المياه، وثبت بذلك
ألَّا يجوز التوضيء به في حال من الأحوال، وهو قول أبي يوسف وهو النظر
عندنا، والأول قول أبي حنيفة، وفي تاريخ الموصلي من حديث شريك عن
أبي فزارة أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " قد أمرت أن أتلوا على إخوانكم الجن فليقم
معي من ليس في قلبه مثقال خردلة من غش "، وفى سنن الدارقطني من جهة
المسيب بن واضح، نا مبشر بن إسماعيل الحلبي عن الأوزاعي عن يحيى بن
أبي كثير عن عكرمة عن ابن عباس قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " النبيذ وضوء من
لم يجد الماء " قال: ووهم فيه في موضعين: في ذكره ابن عباس، وفي ذكره
النبي- عليه السلام-، والمحفوظ في قول عكرمة غير مرفوع إلى النبي- عليه
السلام- ولا إلى ابن عباس والمسيب ضعيف، وقد رواه جماعة، وهو ضعيف
عن أبان، وهو متروك عن عكرمة عن ابن عباس مرفوعًا، ولما ذكره الجوزجاني
قال: هذا حديث باطل، والصحيح رأى عكرمة غير مرفوع، ولما ذكره البيهقي
في الخلافيات قال: هذا الحديث واهي، وروى أبو إسحاق السبيعي عن الحرث
ومزيدة بن جابر عن علي أنه كان لا يرى بالوضوء به بأسًا، قال ابن المنذر:
وهو قول الحسن البصري والأوزاعي، قال الدارقطني: وبه قال/ابن عباس
وعكرمة، قال الترمذي: وبه قال الثوري: وروى عن أبي العالية نحوه، وذهب
بعضهم إلى أنّه لو صح لكان منسوخَا؛ لأنه كان بمكة في صدر الإسلام وقوله
تعالى: (فلم تجدوا ماءً) نزل في غزوة المريسيع، وممن قالَ ذلك ابن
القصار من المالكية وغيره، وأما قول أبي حنيفة: لا يجوز الوضوء بشيء من
الأنبذة إلا نبيذ التمر، ففيه نظر؛ لما روى الدارقطني عن أبي العالية أما كان
ذلك ريب وما واصل النبيذ الطرح والرفض قال الله تعالى: (فنبذوه وراء