ويشبه أنّه إنّما أخذه عن علقمة، وعن قول علقمة بأن عبد الله لم يشهد الجن،
وما قالوا وصدق/في ذلك كان في الخط الذي خطه له المصطفى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولهذا
إنك لا تجد رواية ضعيفة ولا صحيحة أنه شهد الجن، إنما يقولوا: ليلة الجن،
وذلك بيّن في حديث أبي الأحوص المتقدّم، وأن الوضوء بالنبيذ كان بعد
مجيئه عليه السلام من عند الجن، ومال الطحاوي- رحمه الله- إلى أن ابن
مسعود لم يحضرها، ويزيد ذلك وضوحَا ما ذكره الكرابيسي في كتاب
المدلّسين من تأليفه: أخبرني من سمع عبد الرزاق يحدّث عن أبيه عن ميناء
عن عبد الله أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال له ليلة الجن: " يا عبد الله نعيت إلى نفسي "
الحديث في ذكر الخلافة، وحديث التيمي عن أبي عثمان النهدي عن عبد
الله: " أنّه رأى ناسَا من الزطّ فقال: ما رأيت شبههم إلا ليلة الجن مع
النبي- عليه السلام- " وأمّا قول اللالكائي فظاهر في التعصب، والله أعلم.
ويزيد ذلك وضوحا حضور الزبير بن العوام ليلة الجنّ. روى ذلك الإِسماعيلي
عن موسى ابن جعفر بن يعقوب بن سفيان، نا سليمان، نا أبو محمد الفقيه بن
الوليد، حدّثني نمير بن يزيد الحمصي- معروف حسن الحديث- عن أبيه عن
عمه مجاهد ابن ربيعة، نا الزبير بن العوام قال: " صلى بنا النبي- عليه
السلام- صلاة الصبح في مسجد المدينة فلما فرغ قال: أيكم يتبعني إلى وفد
الجن الليلة " (١) الحديث. وأيما مر رجل فلم يجزم بعدم حضوره، لكنه تردد،
قال الأثرم: سألت أبا عبد الله الذي يصح عندك أن النبي- عليه السلام-
صحبه عبد الله ليلة الجن؟ فقال: لا أدري، وقال ابن السند في كتاب
استيعاب الخلاف: أما أوجبت التعارض أن الذي روى الحديث الأول- يعني
حديث عبد الله- أسقط منه كلمة، وإنّما الحديث ما شهدها أحد غيري،
ومال الطحاوي- رحمه الله- إلى أن ابن مسعود لم يحضرها فقال: فهذا
الباب إن كان من طريق الإِسناد؛ فهذا الحديث الذي فيه الإِنكار أولى- يعني
حديث علقمة- لاستقامة طريقه ومتنه وثبت/رواته، وإن كان من طريق النظر
فإنا قد رأينا الأصل المتفق عليه، أنه لا يتوضأ بنبيذ الزبيب ولا بالخل، فكان
(١) أثبتنا تمام لفظ الحديث من " الثانية ".