قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقد يحتمل قول الله عزَّ وجلَّ:
(فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ) الآية.
أن يصلح بينهم بالحكم إذا كانوا قد فعلوا ما فيه حكم
فيعطى بعضهم من بعض ما وجب له لقول الله عزَّ وجلَّ: (بِالْعَدْلِ) .
والعدل: أخذ الحق لبعض الناس من بعض.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وإنما ذهبنا إلى أن القَوَدَ ساقط، والآية تحتمل
المعنيين.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا مُطرف بن مازن، عن معمر بن راشد، عن
الزُّهري قال: أدركت الفتنة الأولى أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكانت فيها دماء وأموال، فلم يُقتص فيها من دم ولا مال ولا قَرْح أصيب بوجه التأويل، إلا أن يوجد مال رجل بعينه فيدفع إلى صاحبه.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وهذا كما قال الزهري عندنا، قد كانت في تلك
الفتنة دماء يُعرف في بعضها القاتل والمقتول، وأتلفت فيها أموال، ثم صار
الناس إلى أن سكنت الحرب بينهم وجرى الحكم عليهم، فما علمته اقتص أحد من أحد، ولا غَرِم له مالاً أتلفه، ولا علمت الناس اختلفوا في أن ما حووا في البغي من مال فوجد بعينه فصاحبه أحق به.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: ووجدت قول اللَّه تعالى قال:
(وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (٩)
فذكر الله - عزَّ وجلَّ قتالهم ولم يذكر القصاص بينهما،