فأثبتنا القصاص بين المسلمين على ما حكم الله - عزَّ وجلَّ - في القصاص، وأزلناه في المتأولين الممتنعين، ورأينا أن المعني بالقصاص من المسلمين هو من لم يكن ممتنعاً متأولاً، فأمضينا الحكمين على ما أمضينا عليه.
وقلت له - أي: للمحاور -: علي بن أبي طالب كرم الله تعالى وجهه ولي
قتال المتأولين، فلم يقصص من دم ولا مال أصيب في التأويل، وقَتَلَه ابن ملجم متأولاً، فأمر بحبسه، وقال لولده: إن قتلتم فلا تمثلوا، ورأى له القتل، وقتله الحسن بن علي رضي الله عنهما، وفي الناس بقية من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا نعلم أحداً أنكر قتله ولا عابه ولا خالفه في أن يقتل؛ إذ لم يكن له جماعة يمتنع
بمثلها، ولم يَقُد علي وأبو بكر - رضي الله عنهما - قبله ولي من قتلتهُ الجماعة الممتنع بمثلها على التأويل كما وصفنا، ولا على الكفر.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: والآية تدل على أنه إنما أبيح قتالهم في حال.
وليس في ذلك إباحة أموالهم، ولا شيء منها، وأما قطاع الطريق، ومن قتل على غير تأويل فسواء جاعة كانوا أو وحداناً يقتلون حداً وبالقصاص بحكم الله - عزَّ وجلَّ في القتلة، وفي المحاربين.
الأم (أيضاً) : باب (الحال التي لا يحل فيها دماء أهل البغي) :
قال الشَّافِعِي - رحمه الله -: فإذا دُعِي أهل البغي، فامتنعوا من الإجابة فقوتلوا، فالسيرة فيهم مخالفة للسيرة في أهل الشرك، وذلك بأن الله - عزَّ وجلَّ حرَّم ثم رسوله دماء المسلمين، إلا بما بيَّن الله تبارك وتعالى ثم رسوله - صلى الله عليه وسلم -، فإنما أبيح قتال أهل البغي ما
كانوا يقاتلون، وهم لا يكونون مقاتلين أبداً إلا مقبلين، ممتنعين، مريدين، فمتى زايلوا هذه المعاني فقد خرجوا من الحال التي أبيح بها قتالهم، وهم لا يخرجون منها أبداً، إلا إلى أن تكون دماؤهم محرمة كهي قبل يحدثون، وذلك بيِّنٌ عندي في كتاب