عندهم، وهذا عندك - الخطاب للمحاور - إجماع، فكيف يكون إجماعاً إذا كان موجوداً في أفعالهم الاختلاف؟ - واللَّه أعلم -
الرسالة: باب (الاختلاف) :
قال - المحاور للشافعي -: فإني أجد أهل العلم قديماً وحديثاً مختلفين في
بعض أمورهم، فهل يسعهم ذلك؟
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فقلت له: الاختلاف من وجهين: أحدهما محرّم.
ولا أقول ذلك في الآخر.
قال: فما الاختلاف المحرَّمُ؟
قلتُ: كل ما أقام اللَّه به الحجة في كتابه، أو على لسان نبيه - صلى الله عليه وسلم - منصوصاً بيناً، لم يحل الاختلاف فيه لمن علمه، وما كان من ذلك يحتمل التأويل وُيدرك قياساً، فذهب المتأول أو القايس إلى معنى يحتمله الخبر أو القياس، وإن خالفه فيه غيره، لم أقل إنه يُضيَّق عليه ضِيقَ الخلاف في المنصوص.
قال: فهل في هذا حجة تبين فرقك بين الاختلافين؟
قلت: قال اللَّه في ذم التفرق: (وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ (٤) .
وقال جل ثناؤه: (وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ) الآية، فذم الاختلاف فيما جاءتهم به
البينات، فأما ما كُلفوا فيه الاجتهاد فقد مثلته لك بالقبلة والشهادة وغيرها.
قال: فمثل لي بعض ما افترق عليه من رُوي قوله من السلف، مما لله فيه
نصُّ حكم يحتمل التأويل، فهل يوجد على الصواب فيه دلالة؟
قلت: قل ما اختلفوا فيه إلا وَجَدنا فيه عندنا دلالة من كتاب اللَّه، أو سنة
رسوله، أو قياساً عليهما، أو على واحد منهما.