للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فيأتي لرسول الله مقرا بفعله لينال العقاب الذي حدده الله تعالى، وقد يكون في العقاب إزهاق روحه، وذلك كما فعل ماعز والغامدية إذ جاء للرسول وأقرا بالزنا وهما محصنان فرجمهما عليه السلام١.

إن هذا المجتمع الذي أسسه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعقيدة الإسلامية كان صورة صادقة لتعليم الإسلام وتطبيقاته، فكل من فيه صدق إيمانه، وقويت عقيدته، وعبد نفسه للمعبود العظيم.

إن الأمة الإسلامية التي أخرجت للناس قد بلغت الأوج، كانت تعمل لله، وتجاهد لله، وتسعى إلى غايتها المرموقة في حب وثقة، التفت حول نبيها التفاف التلامذة بالمعلم، والجند بالقائد، والأبناء بالوالد الحنون.

وتساندت فيما بينها، بالأخوة المتبادلة المتناصرة، فهم نفس واحدة في أجسام متعددة، ولبنات مشدودة، في بناء منسق صلب.

وأدارت علاقتها بالآخرين على العدل والبر، فليس يظلم في جوارهم بريء، أو يحرم من ألطافهم عان أو يؤاخذ أحدهم بذنب غيره، أو يعطي لواحد ما يستحقه غيره من ثواب.

وبرغم ما وقع على المؤمنين من بغي قديم، فقد جعلت الإسلام يجب ما قبله، فمن تطهر من جاهليته، وتاب إلى ربه لا ينظر أحد إلى ماضيه، بل يصير في الجماعة المسلمة عضوًا كريمًا فيها، يملأ بصالح عمله كتابه الجديد.

أما الذين بقوا يكفرون ويصدون، فلا بد من الإعداد لهم، حتى تخلص الأرض من كفرهم وصدهم.

قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا، إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا} ٢.

كانت هذه الأمة تكدح لله، وتصل مساءها بصباحها في عبادته، وقد حزمت أمرها على واحد من اثنين، إما أن تحيا لله، وإما أن تموت فيه.


١ الفتح الرباني ج١٨ ص٨٥ وانظر تفصيل ذلك في ص٢١٢.
٢ سورة النساء الآيتان ١٦٨، ١٦٩.

<<  <   >  >>