بعد أن بذلوا النصح الأمين لقومهم ولم ينقضوا عهدهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب.
واشتد الأمر على اليهود، فطلبوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرسل لهم أبا لبابة بن المنذر، وكان لهم نصيحًا، لما بينهم وبينه من حلف؛ ولأن أمواله وأهله بينهم.
فلما أتاهم أبو لبابة قال له كعب بن أسد: يا أبا لبابة إنا قد اخترناك على غيرك، إن محمدًا قد أبى إلا أن ننزل على حكمه أفترى أن ننزل على حكمه؟
قال: نعم وأشار بيده إلى حلقه أي إنه الذبح.
قال أبو لبابة: فوالله ما زالت قدماي عن مكانهما حتى عرفت أني قد خنت الله ورسوله فندمت واسترجعت وأخذت في البكاء، فنزلت وإن لحيتي مبتلة من الدموع، والناس ينتظرون رجوعي إليهم فأخذت من وراء الحصن طريقًا أخرى حتى جئت المسجد ولم آت رسول الله صلى الله عليه وسلم فارتبطت، وكان ارتباطي على الأسطوانة المخلقة التي يقال لها "أسطوانة التوبة" وقلت: لا أبرح من مكاني حتى أموت، أو يتوب الله عليّ مما صنعت، وعاهدت الله تعالى بألا أطأ أرض بني قريظة أبدًا، ولا أرى في بلد خنت الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم فيه أبدًا.
وبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذهابي وما صنعت، فقال:"دعوه حتى يحدث الله تعالى فيه ما شاء لو كان جاءني استغفرت له، فإذا لم يأتني وذهب فدعوه".
قال أبو لبابة: فكنت في أمر عظيم في حر شديد عدة ليال لا آكل فيهن، ولا أشرب ولا أزال هكذا حتى أفارق الدنيا أو يتوب الله عليّ، وأذكر رؤيا رأيتها في النوم، ونحن نحاصر قريظة، كأني في حمأة آسنة، فلم أخرج منه حتى كدت أموت من ريحها، ثم أرى نهرًا جاريًا فأراني اغتسلت فيه حتى استنقيت، وأراني أجد ريحًا طيبة، فاستعبرتها أبا بكر فقال: لتدخلن في أمر تغتم له ثم يفرج عنك، فكنت أذكر قول أبي بكر وأنا مرتبط، فأرجو أن ينزل الله تعالى قبول توبتي.