للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

جاء به أن يعظم رسله، وسأنظر١.

ومن ذلك ما ذكره عمرو بن العاص للجلندي، قال له:

يا جلندي إنك وإن كنت منا بعيدًا، فإنك من الله غير بعيد.

إن الذي تفرد بخلقك أهل أن تفرده بعبادتك، وأن لا تشرك به من لم يشركه فيك واعلم أنه يميتك الذي أحياك، ويعيدك الذي بدأك.

فانظر في هذا النبي الأمي الذي جاء بالدنيا والآخرة، فإن كان يريد به أجرًا فامنعه أو يميل به هوى فدعه، ثم انظر فيما يجيء به هل يشبه ما يجيء به الناس فإن كان يشبهه فسله العيان، وتخير عليه في الخبر، وإن كان لا يشبهه فاقبل ما قال، وخف ما وعد.

قال الجلندي: إنه والله لقد دلني على صدق هذا النبي الأمي أنه لا يأمر بخير إلا كان أول من أخذ به، ولا ينهى عن شر إلا كان أول تارك له، وأنه يغلب فلا يبطر، ويغلب فلا يضجر، وأنه يفي بالعهد، وينجز الموعود، وأنه لا يزال سر قد اطلع عليه يساوي فيه أهله، وأشهد أنه نبي٢.

ومن ذلك ما ذكره المهاجر بن أبي أمية للحارث بن عبد كلال، حيث قال:

يا حارث إنك كنت أول من عرض عليه النبي صلى الله عليه وسلم نفسه فخطئت عنه، وأنت أعظم الملوك قدرًا.

فإذا نظرت في غلبة الملوك، فانظر في غالب الملوك.

وإذا سرك يومك فخف غدك.

وقد كان قبلك ملوك ذهبت آثارها، وبقيت أخبارها، عاشوا طويلا، وأملوا بعيدًا، وتزودوا قليلا، منهم من أدركه الموت، ومنهم من أكلته النقم.

وإني أدعوك إلى الرب الذي إن أردت الهدى لم يمنعك، وإن أرادك لم يمنعه منك أحد وأدعوك إلى النبي الأمي الذي ليس له شيء أحسن مما يأمر به، ولا أقبح مما ينهى عنه، واعلم أن لك ربًا يميت الحي ويحيي الميت، ويعلم خائنة الأعين، وما تخفي الصدور.


١ الروض الأنف ج٤ ص٢٥٠.
٢ الروض الأنف ج٤ ص٢٥٠.

<<  <   >  >>