فقال الحارث: قد كان هذا النبي عرض نفسه عليّ فخطئت عنه، وكان ذخرا لمن صار إليه، وكان أمره أمرًا سبق، فحضره اليأس وغاب عنه الطمع، ولم يكن لي قرابة أحتمله عليها، ولا لي فيه هوى أتبعه له، غير أني أرى أمرًا لم يوسوسه الكذب ولم يسنده الباطل، له بدء سار، وعاقبة نافعة, وسأنظر.
إن هذه المواعظ التي واجه بها صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم الملوك والرؤساء تدل بوضوح على عبقرية هؤلاء الصحابة، ومدى تمتعهم بالمزايا التي يجب أن يتحلى بها الدعاة وهم يتحركون بالإسلام فهم ليسوا موظفين عاديين يؤدون عملهم وفقط، وإنما هم أصحاب رسالة، وجنود قضية، يعيشون لها، ويتحركون بها. وتحقيق انتصارها هي كل همهم، واهتماماتهم.
إن الجو الذي قيلت فيه هذه الكلمات يؤكد طبيعة هؤلاء الرجال من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، إنها قيلت لملوك وأمراء، وهم بين جنودهم، ووزرائهم، وحاشيتهم، ولم يكن أحد منهم قد دخل في الإسلام بعد بينما المتحدث رجل واحد، هو سفير رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فدلالة الموقف واضحة في تأكيد شجاعة وقوة شخصية أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبين في نفس الوقت قوة ولائهم للقضية التي جاءوا من أجلها.
لقد دار الحديث حول قضايا العقيدة فدعوا إلى الإيمان بالله الواحد، ونبذ عبادة غيره مع تقديم الدليل المناسب لكل منهم.
فمع قيصر يدلل الداعية على وحدانية الله بعبودية المسيح لله، ومع المنذر المجوسي يدلل بهوان النار وضررها، على عدم صلاحيتها للألوهية، وأن الألوهية الحقة هي لله الخالق.
وهكذا سار كل داعية في كلمته اتجاهًا يتناسب مع محدثه، بلا اصطدام معه، وبطريقة تدعوه إلى النظر والتدبر.
لقد ركزوا في كلماتهم السابقة على أهم أركان الإيمان وأساسيات العقيدة وهي: