للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثم أرسل إلى سعد فنزع منه اللواء، ودفعه إلى ابنه قيس١.

ولما مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي سفيان قال له العباس: النجاء إلى قومك، فأسرع أبو سفيان حتى دخل مكة، وصرخ بأعلى صوته: يا معشر قريش، هذا محمد، قد جاءكم فيما لا قبل لكم به، فمن دخل دار أبي سفيان فهو آمن، فقامت إليه زوجته هند بنت عتبة فأخذت بشاربه فقالت: اقتلوا الحميت الدسم الأخمش الساقين، قبح من طليعة قوم.

قال أبو سفيان: ويلكم، لا تغرنكم هذه من أنفسكم، فإنه قد جاءكم بما لا قبل لكم به، فمن دخل دار أبي سفيان فهو آمن.

قالوا: قاتلك الله، وما تغني عنا دارك؟

قال: ومن أغلق عليه بابه فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن، فتفرق الناس إلى دورهم وإلى المسجد، وبثوا أوباشًا لهم، وقالوا: نقدم هؤلاء فإن كان لقريش شيء كنا معهم، وإن أصيبوا أعطينا الذي سئلنا، فتجمع سفهاء قريش مع عكرمة بن أبي جهل، وصفوان بن أمية، وسهيل بن عمرو بالخندمة ليقاتلوا المسلمين، وكان فيهم رجل من بني بكر حماس بن قيس، كان يعد قبل ذلك سلاحًا، فقالت له امرأته: لماذا تعد ما أرى؟

قال: لمحمد وأصحابه.

قالت: والله ما يقوم لمحمد وأصحابه شيء.

قال: إني والله لأرجو أن أخدمك بعضهم.

ثم قال:

إن يقبلوا اليوم فما لي عله ... هذا سلاح كامل وأله

وذو غرارين سريع السله

فكان هذا الرحل فيمن اجتمعوا في الخندمة.

أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فمضى حتى انتهى إلى "ذي طوى" وكان يضع رأسه تواضعًا لله حين رأى ما أكرمه الله به من الفتح، حتى أن شعر لحيته ليكاد يمس واسطة الرحل، وهناك وزع جيشه، وكان خالد بن الوليد على الميمنة، ومعه أسلم، وسليم، وغفار ومزينة، وجهينة قبائل من العرب، فأمره صلى الله عليه وسلم أن يدخل مكة من أسفلها، وقال لخالد: "إن عرض لكم


١ صحيح البخاري كتاب غزوة الفتح ج٧ ص٨.

<<  <   >  >>