للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بيت النبي، يرصدونه حتى ينام، فيثبون عليه، فأخبر جبريل عليه الصلاة والسلام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمؤامرة القوم، وأمره أن لا يبيت هذه الليلة على فراشه الذي يبيت عليه, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب: "نم على فراشي، وتسج ببردي هذا الحضرمي الأخضر، فنم فيه فإنه لن يخلص إليك شيء تكرهه منهم" ١.

ولقد نجحت هذه الخطة نجاحًا واضحًا، فلقد رأى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يخرج من بيته، ويضع على رءوسهم التراب، فجاء للفتيان وقال لهم: خيبكم الله، قد والله خرج عليكم محمد، ثم ما ترك فيكم رجلا إلا وقد وضع على رأسه ترابًا، أفما ترون ما بكم؟

فوضع كل رجل منهم يده على رأسه فإذا عليه تراب فظنوه بسبب الريح، أو بغيره، ولم يصدقوا الرجل في مقالته، واستمروا على ظنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يخرج لرؤيتهم رجلا على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانوا ينظرون في الفراش بين الفينة والفينة فيجدون شخصًا مسجًا ببرد رسول الله، فيظنونه نائمًا ولذلك استمروا في مكانهم.

فلما جاء الصباح، وقام علي من نومه وخرج عليهم، علموا أنهم قد خدعوا، وقال بعضهم لبعض: لقد صدقنا الذي حدثنا٢.

ونلاحظ دقة التخطيط وحسن الاختيار في مبيت علي رضي الله عنه مكان رسول الله، فلقد اختار رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن أخيه لينام مكانه لما في مبيته من تضحية، والموت فيها وارد، وما دام الأمر هكذا فلتكن التضحية بالأهل والأقارب أما في صحبة الهجرة فلقد اختار الرسول صلى الله عليه وسلم أبا بكر رضي الله عنه ليعلم الجميع أن غاية رسول الله صلى الله عليه وسلم تبليغ رسالته التي كلف بها، ولو كان يقصد الزعامة لأخذ نفرًا من قبيلته مثل علي بن أبي طالب، أو حمزة بن عبد المطلب أو غيرهما.

ومن قدر الله أن الرجال الذين أحاطوا ببيت النبي صلى الله عليه وسلم انصرفوا عن اقتحامه وبقوا خارج الدار حتى الصباح، ولم يتعجل أهل مكة خبر مقتل محمد مع أن


١ تهذيب السيرة ص١١٢.
٢ سيرة النبي لابن هشام ج١ ص٤٨٣ بتصرف.

<<  <   >  >>