للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[فترة الوحي وما نزل من القرآن بعد ذلك]

قال ابن شهاب: وأخبرني أبو سلمة بن عبد الرّحمن بن عوف، أنّ جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- أخبره أنّه سمع النّبيّ صلى الله عليه وسلم يحدّث عن فترة الوحي، قال: «ثمّ فتر الوحي عنّي فترة، فبينما أنا أمشي إذ سمعت صوتا من السّماء، فرفعت بصري قبل السّماء- أي: في جهتها- فإذا الملك الّذي جاءني ب (حراء) قاعد على كرسيّ بين السّماء والأرض، فرعبت منه- أي: فزعت- حتّى هويت إلى الأرض- أي: سقطت- فجئت أهلي، فقلت:

دثّروني دثّروني، - أي: غطّوني- فدثّروني، فأنزل الله عزّ وجلّ:

يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ. قُمْ فَأَنْذِرْ. وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ. وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ. وَالرُّجْزَ- أي:

النّجس- فَاهْجُرْ- أي: فاترك- «١» [سورة المدّثّر ٧٤/ ١- ٥] » .

[شكوى النّبيّ صلى الله عليه وسلم ونزول الضّحى]

وفي رواية: أنّه لمّا فتر الوحي عنه، قالت قريش: قلاه ربّه.


عرض عليه عمّه أبو طالب أن يكفّ عن قريش، ويبقي عليه وعلى نفسه، قال قوله المشهور: «والله يا عمّ، لو وضعوا الشّمس في يميني، والقمر في يساري، على أن أترك هذا الأمر حتّى يظهره الله أو أهلك دونه، ما تركته» . وليس أدلّ على ضعف هذه الزّيادة من أنّ جبريل عليه السّلام كان يقول له كلّما أشرف على ذروة جبل: (يا محمّد، إنّك رسول الله حقّا) ، وأنّه كرّر ذلك مرارا. ولو صحّ هذا لكانت مرّة واحدة تكفي في تثبيت النّبيّ صلى الله عليه وسلم وصرفه عمّا حدّثته به نفسه كما زعموا. وقد ذهب جلّ العلماء وكتّاب السّير المحدّثون إلى هذا، بل ذهب بعضهم إلى أنّ مجرّد سؤال ورقة إنّما هو من خديجة رضي الله عنها؛ لأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم يعلم أنّه سيكون رسول الله، وأنّه أجلّ من أن يعرف نبوّته ورسالته من حبر نصرانيّ، أو ممّن قرأ كتب النّصارى.
(١) أخرجه البخاريّ، برقم (٤٦٧١) .

<<  <   >  >>