ولمّا فرغوا من الخندق وأقبلت جموع الأحزاب في عشرة آلاف، وأحاطوا ب (المدينة) من جميع جهاتها، واشتدّ الحصار على المسلمين، كما قال الله تعالى: إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا. هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزالًا شَدِيداً [سورة الأحزاب ٣٣/ ١٠- ١١] .
[ظهور النّفاق]
وعند ذلك ظهر نفاق المنافقين، واضطرب إيمان ضعفاء الإيمان، كما قال الله تعالى: وَإِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً الآيات [سورة الأحزاب ٣٣/ ١٢] .
وكانوا يقولون: يعدنا محمّد أن نفتح (مكّة والشّام والعراق) ، وأحدنا لا يقدر أن يذهب إلى الغائط. وامتدّ الحصار قريبا من شهر.
ثمّ زاد الأمر شدّة أنّ حييّ بن أخطب تقدّم إلى بني قريظة فلم يزل بهم حتّى نقضوا العهد.
[نقض بني قريظة العهد]
ثمّ إنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم لمّا رآى ما أصحابه فيه من الشّدّة، استشار الأنصار في أن يعطي عيينة بن حصن الفزاريّ، والحارث بن عوف المرّيّ- قائدي غطفان- ثلث ثمار (المدينة) ، على أن يفرّقا الجمع، فقال له سعد بن معاذ رضي الله عنه: أهذا أمر أمرك الله به لا بدّ منه، فالسّمع والطّاعة لله ولرسوله، أم هو أمر تصنعه لنا؟
قال:«لا، بل لأنّني رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة، فأردت أن أكسر شوكتهم» ، فقال له سعد: قد كنّا ونحن وهؤلاء على الشّرك، وهم لا يطمعون منّا بتمرة إلّا قرى أو بيعا، أفحين