للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قالت عائشة رضي الله عنها: فبينما نحن جلوس في نحر الظّهيرة- حين تبلغ الشّمس منتهاها من الارتفاع، كأنّها وصلت إلى النّحر، وهو أعلى الصّدر- إذ أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر:

فداه أبي وأمّي، ما جاءنا في هذه السّاعة الّتي لم يكن يأتينا فيها إلّا لأمر قد حدث، فلمّا دخل صلى الله عليه وسلم قال له: «أخرج من عندك» ، قال: فإنّما هم أهلك. قال: «فإنّي قد أذن لي في الخروج»

وواعده وقت السّحر، وأمره بالتّجهيز.

قالت عائشة: فجهّزناهما أحثّ الجهاز- بالمثلّثة، أي:

أسرعه- واستأجرا رجلا دليلا ماهرا «١» ، قد دفعا إليه راحلتيهما، وواعداه (غار ثور) بعد ثلاث ليال.

[خروج النّبيّ صلى الله عليه وسلم وأبي بكر إلى الغار]

ثمّ لحقا ب (الغار) ، فمكثا فيه ثلاثا يبيت عندهما عبد الله بن أبي بكر، وهو يومئذ غلام فطن، ويدّلج «٢» من عندهما بسحر، فيصبح ب (مكّة) مع قريش كبائت فيها، فلا يسمع أمرا يكادان به إلّا وعاه، وأتاهما بذلك حين يختلط الظّلام، ويرعى عليهما عامر بن فهيرة مولى أبي بكر منائح من غنم «٣» ، فيريحها عليهما عشيا «٤» ،


أنت يا رسول الله إحدى راحلتيّ هاتين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بالثّمن» . فأخذ إحداهما، وهي: القصواء. وإنّما اشترط النّبيّ صلى الله عليه وسلم أن يكون ذلك بالثّمن مع أنّ أبا بكر أنفق ما له في سبيل الله ورسوله؛ لأنّه أحبّ ألّا تكون هجرته إلّا من مال نفسه. وكان ثمنها أربع مئة درهم.
(١) وهو: عبد الله بن أريقط. (ابن هشام، ج ١/ ٤٨٥) .
(٢) يدّلج: يخرج وقت السّحر منصرفا إلى مكّة.
(٣) المنائح- جمع منيحة-: وهي منحة اللبن- كالناقة أو الشاة- تعطيها غيرك يحلبها ثم تردها عليك.
(٤) أي: يأوي بها ليلا.

<<  <   >  >>