للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أتمّ الوجوه وأكملها، غير أنّ أكثر العقول قصرت عن إدراك غايته وعاقبة أمره.

[حزن الصّحابة رضي الله عنهم لصلح القوم]

وفي «الصّحيحين» ، أنّ سهل بن حنيف قال يوم صفّين:

يا أيّها النّاس، اتّهموا رأيكم على دينكم، فلقد رأيتني يوم أبي جندل ولو أستطيع أن أردّ أمر رسول الله لرددته «١» .

ولهذا قال الله تعالى في هذه القصّة بعينها بعد أن قال:

إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ- أي:

بصدّهم عن البيت وإنكارهم لاسم الله الرّحمن الرّحيم- إلى قوله تعالى: فَعَلِمَ ما لَمْ تَعْلَمُوا- أي: من عاقبة الأمر- فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ فَتْحاً قَرِيباً- أي: صلح الحديبية-[سورة الفتح ٤٨/ ٢٦- ٢٧] .

فسمّاه فتحا كما في «الصّحيحين» ، عن البراء بن عازب:

تعدّون أنتم الفتح فتح (مكّة) ، وقد كان فتح (مكّة) فتحا، ونحن نعدّ الفتح بيعة الرّضوان يوم (الحديبية) «٢» .

قال العلماء: فهي المراد بالفتح في قوله تعالى: إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً [سورة الفتح ٤٨/ ١] ؛ لأنّها نزلت عند انصرافهم منها، ثمّ قال فيها: فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ فَتْحاً قَرِيباً [سورة الفتح ٤٨/ ٢٧] .

والمراد به فتح (خيبر) ؛ لأنّهم افتتحوها بعد انصرافهم من (الحديبية) ، ثمّ وعدهم فتح (مكّة) بقوله: إِذا جاءَ/ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ [سورة النّصر ١١٠/ ١] .

قال العلماء: ولم يكن فتح قبل الفتح أعظم من صلح (الحديبية) ،


(١) أخرجه البخاريّ، برقم (٦٨٧٨) . ومسلم برقم (١٧٨٥/ ٩٥) .
(٢) أخرجه البخاريّ، برقم (٣٩١٩) .

<<  <   >  >>