وفيهما-[أي: صحيحي البخاريّ ومسلم]- أنّ النّاس قالوا:
كسفت الشّمس لموت إبراهيم، فنهاهم النّبيّ صلى الله عليه وسلم عن ذلك، وصلّى صلاة الكسوف، فأطال فيها حتّى انجلت، ثمّ خطب النّاس فحثّهم على الصّدقة والعتق، وقال:«إنّ الشّمس والقمر آيتان من آيات الله، يخوّف الله بهما عباده، ولا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته»«١» .
[عام الوفود]
وفي السّنة التّاسعة: دخل النّاس/ في دين الله أفواجا، كما أعلم الله سبحانه وتعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بذلك، وجعله علما لقرب أجله.
وفي «الصّحيحين» ، عن ابن عبّاس رضي الله عنهما، أنّ عمر رضي الله عنه قال له: ما تقول في: إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ حتّى ختم السّورة؟، فقلت: هو أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلمه الله له. قال:
(١) أخرجه البخاريّ، برقم (١٠٠١) . ومسلم برقم (٩٠١/ ٣) . عن أبي بكرة رضي الله عنه. قلت: قال أبو شهبة- رحمه الله-: وإنّ المنصف ليقف خاشعا أمام هذا القول الحكيم، الّذي يدلّ على أنّ سيّدنا محمّدا نبيّ حقّا. فلو لم يكن نبيّا، وكان طالب ملك أو زعامة، أو مدّعيا نبوة؛ لاستغلّ اعتقاد النّاس هذا، أو على الأقل يسكت. وأيّ عظمة نفسيّة أعظم من ألّا ينسى الرّسول صلى الله عليه وسلم رسالته في أشدّ المواقف الّتي تملأ النّفس غمّا وحزنا، وربّما تذهل الشّخص عمّا هو حقّ، لذلك لا غرو إذا كان المستشرقون الّذين كتبوا في سيرة النّبيّ صلى الله عليه وسلم، وتناولوا هذه القصّة وقفوا منها موقف الإجلال والإعظام، ولم يستطيعوا كتم إعجابهم وإكبارهم للنّبيّ صلى الله عليه وسلم، وإعلان عرفانهم بصدق إنسان لم يرض في أدقّ المواقف إلّا الصّدق وإعلان الحقّ. (السّيرة النّبويّة، ج ٢/ ٥٨٣) .