[مصالحة النّبيّ صلى الله عليه وسلم أهل أيلة وجرباء وأذرح]
ولمّا انتهى صلى الله عليه وسلم إلى (تبوك) ، وهي أدنى بلاد الرّوم، أقام بها بضع عشرة ليلة. وصالح جملة من أهل الناحية على الجزية، ثمّ رجع إلى (المدينة) ، ولم يلق عدوّا.
[اعتذار المنافقين عن تخلّفهم]
فلمّا قدم (المدينة) ، جاء المنافقون يعتذرون إليه عن تخلّفهم عنه، ويحلفون له، فقبل منهم معذرتهم، ووكل سرائرهم إلى الله تعالى، فأنزل الله تعالى فيهم: يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُلْ لا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبارِكُمْ الآيات، إلى قوله: فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَرْضى عَنِ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ [سورة التّوبة ٩/ ٩٤- ٩٦] .
ونزلت فيهم سورة براءة، وسمّاها ابن عبّاس رضي الله عنهما الفاضحة- والعياذ بالله تعالى- وقال: لم يزل ينزل فيهم:
وَمِنْهُمْ وَمِنْهُمْ وَمِنْهُمْ حتّى ظنّوا أنّها لم تبق أحدا منهم إلّا ذكرته.
[أمر كعب بن مالك، وهلال بن أميّة، ومرارة بن الرّبيع]
أمّا الثّلاثة الّذين خلّفوا، وهم: كعب بن مالك الخزرجيّ، وهلال بن أميّة الأوسيّ، ومرارة/ بن الرّبيع، فإنّهم لم يتخلّفوا لنفاق ولا لعذر، بل كسلا مع استطاعتهم، كمن ترك الصّلاة كسلا، فاستحقّوا العقاب، فعوقبوا، ثمّ تاب الله عليهم.
وكان من خبرهم ما ذكره البخاريّ ومسلم في «صحيحيهما» ، عن كعب بن مالك رضي الله عنه قال: لم أتخلّف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة غزاها إلّا في غزوة (تبوك) ، غير أنّي لم أشهد (بدرا) ، ولم
(١) أخرجه البخاريّ، برقم (٤١٥٧) . ومسلم برقم (٢٩٨٠/ ٣٩) . عن ابن عمر رضي الله عنه.