وكان صلى الله عليه وسلم من قبل يصلّي إلى (بيت المقدس) ، ويقول: «وددت لو حوّلني ربّي إلى (الكعبة) ، فإنّها قبلة أبي إبراهيم عليه السّلام» .
وكان يتوقّع نزول الوحي عليه في ذلك، فيقلّب وجهه في السّماء، فاختار الله له ما يختاره، فنزل قوله تعالى: قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ- أي: جهته وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ الآيات [سورة البقرة ٢/ ١٤٤] .
وفي «الصّحيحين» عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم صلّى نحو (بيت المقدس) ستّة عشر شهرا، وكان يحبّ أن يوجّه إلى (الكعبة) ، فأنزل الله عزّ وجلّ: قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ، فتوجّه نحو (الكعبة) ، فقال السّفهاء من النّاس- وهم اليهود-: ما وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها، فقال الله تعالى: قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ [سورة البقرة ٢/ ١٤٢] ، فصلّى مع النّبيّ صلى الله عليه وسلم رجل ثمّ خرج بعدما صلّى، فمرّ على قوم من الأنصار في صلاة العصر يصلّون نحو (بيت المقدس) ، فقال: هو يشهد أنّه صلّى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنّه توجّه نحو (الكعبة) ، فتوجّه القوم نحو (الكعبة)«١» .
(١) أخرجه البخاريّ، برقم (٣٩٠) . ومسلم برقم (٥٢٥/ ١١) . قلت: قال أبو شهبة- رحمه الله- (أمّا قبلته بمكّة، فقيل: كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم يستقبل بيت المقدس، ولكنّه لا يستدبر الكعبة، بل يجعلها بينه وبين بيت المقدس، وذلك بأن يقف بين الرّكنين الأسود واليماني، فلمّا هاجر صلى الله عليه وسلم استمرّ على استقبال بيت المقدس حتّى نسخ الله ذلك بالتّوجّه إلى الكعبة. وقيل: كانت قبلته الكعبة، فلمّا هاجر أمره الله باستقبال بيت