للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قد شهدا (بدرا) فيهما أسوة، فمضيت حين ذكروهما لي، ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين عن كلامنا أيّها الثّلاثة خاصّة «١» ، فاجتنبنا النّاس، وتغيّروا لنا، حتّى تنكّرت الأرض، فما هي بالأرض الّتي أعرف، فلبثنا على ذلك خمسين ليلة.

فلمّا صلّيت صلاة الفجر، وأنا على الحال الّتي ذكرها الله تعالى «٢» ، وقد ضاقت عليّ الأرض بما رحبت، وضاقت عليّ نفسي، سمعت وأنا جالس على ظهر بيتي صارخا، أوفى على (سلع) «٣» ، يقول بأعلى صوته: يا كعب بن مالك أبشر، فخررت لله ساجدا، وقد آذن رسول الله صلى الله عليه وسلم النّاس بتوبة الله علينا، فذهبوا يبشّروننا، فلمّا جاءني الّذي سمعت صوته نزعت له ثوبيّ، فكسوته إيّاهما ببشراه. وو الله ما أملك غيرهما يومئذ، واستعرت ثوبين فلبستهما، وانطلقت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيتلقاني النّاس فوجا فوجا، فلمّا دخلت المسجد وسلّمت على النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال لي- ووجهه يبرق من السّرور-: «أبشر بخير يوم مرّ عليك منذ ولدتك أمّك» .

وأنزل الله على رسوله: لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِيمٌ. وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ وَضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ


(١) المعنى: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كلامنا نحن الثّلاثة مخصوصين من بين النّاس.
(٢) وهي قوله تعالى: وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ وَضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ [سورة التوبة ٩/ ١١٨] .
(٣) سلع: جبل معروف في المدينة.

<<  <   >  >>