ولكن يشكّك على ذلك التّواتر، ويجعل هناك في نفس الباحث بعض السّؤال أنّ النّسخة المطبوعة من هذا الكتاب تحمل اسم العلّامة المحدّث (أبي محمّد عبد الرّحمن بن عليّ ابن الدّيبع الزّبيديّ) المتوفّى سنة ٩٤٤ هـ. وقد قام بنشرها في سنة ١٤٠٣ هـ العلّامة الفاضل (عبد الله بن إبراهيم الأنصاريّ) ، وقد بذل في تحقيقها جهدا يشكر عليه؛ إلّا أنّه لم يرجع في تحقيق المخطوطة إلّا إلى نسخة واحدة، وأوحى كلامه في المقدّمة إلى الشّكّ في نسبة الكتاب إلى (ابن الدّيبع) المذكور فقال: (ولم أجد أحدا ممّن ترجمه قد ذكر كتاب سيرته «حدائق الأنوار ومطالع الأسرار» ، ولعلّ هذا الكتاب قد غفل عن ذكره مترجموه، أو لم يشتهر أمره) .
قلت: والرّجوع في تحقيق كتاب مثل هذا إلى مخطوطة واحدة لا يخلو من بعض المجازفة، إضافة على ذلك سقم النّسخة الّتي رجع إليها علّامتنا (الأنصاريّ) - رحمه الله- وكما أشار إلى ذلك هو بنفسه.
ولكن تبقى أمامنا الحقيقة الماثلة، وهي أنّ جميع المخطوطات المتوفّرة لدينا الآن تجمع على نسبة الكتاب إلى العلّامة (بحرق) ، باستثناء تلك النّسخة السّقيمة الّتي رجع إليها (الأنصاريّ) ، والّتي تشير إلى نسبة تأليفها إلى (ابن الدّيبع) .
ولا يخلو الأمر من أنّ هناك يدا عابثة أو تعمّدا أدخل تلك النّسبة إلى المخطوطة المذكورة، حيث إنّ هناك أسطر بقيت فارغة، ترك فيها ناسخها عنوان الكتاب واسم المهدى إليه الكتاب المذكور؛ وهو سلطان الهند، الّذي اتّصل به العلّامة (بحرق) واجتمع به، ولا يعرف لابن الدّيبع رحلة إلى الهند، بل بقي أثر من اسم المهدى إليه في الأبيات الّتي أوردها المؤلّف في مدح السّلطان المذكور، وهي قوله:
فأحمد أسمى من بنى اسما وكنية ... وفعلا ووصفا ملكه من أساسه
شهاب فخذ من علمه واقتباسه ... سنا النّور واخش النّار في وقت باسه
إلى قوله:
فلا زال محمودا حميدا مظفّرا ... شهابا على أعدائه كأناسه
وأيضا بقيّة من اسم الكتاب، حيث جاء في طبعة (الأنصاريّ) قوله: (فوسمت باسمه هذا الكتاب الكريم، ورسمته برسمه ... فسمّيته تبصرة- (في مطبوعة الأنصاريّ بصيرة.. خطأ) - الحضرة، ثمّ تأتي نقط في المطبوعة هي موضع السّقط المتعمّد من قبل النّاسخ أو غيره.