للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وجه الدلالة من الآية: أن المنافقين"تحيلوا بملابسة الدين وأهله إلى أغراضهم الفاسدة" (١)؛ فذمهم الله على هذه المخادعة، فالحيل مذمومة؛ لأنها مخادعة لله، قال أيوب السختياني (٢): "يخادعون الله كأنما يخادعون آدميًا، لو أتوا الأمر عيانًا كان أهون علي" (٣).

يناقش: بالفرق بين حيل المنافقين، وحيل الفقهاء؛ فمقصد المنافقين في حيلهم الفرار من الدين، ومخادعة الله والذين آمنوا، أما الفقهاء كأبي حنيفة ومحمد بن الحسن فمقصدهم البحث عن مخارج شرعية للمضايق التي يبتلى بها الناس، ولا يصح أن يوصفوا بأنهم يخادعون الله كأنما يخادعون آدميًا.

الدليل الثالث: قول الله تعالى: {إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ} (٤).

وجه الدلالة من الآية: أن أصحاب الجنة لما أرادوا الاحتيال على حق المساكين، عاقبهم الله بإهلاك مالهم؛ مما يدل على تحريم الحيل المسقطة للحقوق (٥).

الدليل الرابع: عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، أَنَّهُ: سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، يَقُولُ عَامَ الفَتْحِ وَهُوَ بِمَكَّةَ: «إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ الخَمْرِ، وَالمَيْتَةِ وَالخِنْزِيرِ وَالأَصْنَامِ»، فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ شُحُومَ المَيْتَةِ، فَإِنَّهَا يُطْلَى بِهَا السُّفُنُ، وَيُدْهَنُ بِهَا الجُلُودُ، وَيَسْتَصْبِحُ بِهَا


(١) الموافقات، للشاطبي ٣/ ١٠٩.
(٢) هو أبو بكر أيوب بن أبي تميمة، كيسان السختياني، ولد سنة ٦٦ هـ، كان إمامًا، حافظًا، ثقةً، كثير التبسم في وجوه الرجال، توفي سنة ١٣١ هـ. انظر: تهذيب الكمال، للمزي ٣/ ٤٥٧، سير أعلام النبلاء، للذهبي ٦/ ١٥.
(٣) رواه البخاري معلقًا في كتاب الحيل، باب ما ينهى من الخداع في البيوع.
(٤) سورة القلم، الآية ١٧.
(٥) انظر: تذكرة الأريب في تفسير الغريب، لابن الجوزي، ص ٤١٠.

<<  <   >  >>