للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الترجيح: بعد عرض الأقوال وأدلتها، ومناقشة ما يحتاج منها إلى مناقشة، تبين لي أن أكثر الأدلة للفريقين لا تسلم من المناقشة، وأن أقرب الأقوال-والله أعلم- هو القول الأول، وأن المقلد لا يجوز له التلفيق بين أراء العلماء، بل فرض المقلد أن يسأل أهل العلم، ويلتزم الرأي الذي أخذه، وله أن يسأل من شاء من أهل العلم ويأخذ برأيه، دون أن يلتزم رأي عالم معين، ولا يجوز له التلفيق بين هذه الآراء؛ لأنه ليس أهلًا للاستنباط، ومعرفة الأدلة التي يبني عليها الأئمة اختياراتهم وترجيحاتهم فيلفق بينها.

[المطلب الرابع: التلفيق وتتبع رخص المذاهب]

سبق التعريف بتتبع رخص المذاهب، وهو أن يأخذ الشخص من كل مذهب ما هو أهون عليه وأيسر فيما يطرأ عليه من المسائل دون نظرٍ في الأدلة (١).

وقد عرف بعض المؤلفين التلفيق بأنه" تتبع الرخص عن هوى" (٢)؛ ورأى أنهما شيء واحد، ومع أن التلفيق وتتبع الرخص قد يجتمعان فيما لو كان التلفيق عن هوى، إلا أنهما يختلفان فيما لو لم يكن التلفيق عن هوى، ويختلفان أيضًا في أن الشخص قد يتتبع رخص المذاهب في مسائل مختلفة ليس بينها ارتباط، فبين التلفيق وتتبع رخص المذاهب عموم وخصوص من وجه (٣)، ومما يدل على اختلافهما أن كثيرًا من العلماء الذين أجازوا التلفيق


(١) أصول الفقه الإسلامي، لوهبة الزحيلي ٢/ ٤٣١. وانظر: التقرير والتحبير، لابن أمير الحاج ٣/ ٣٥١.
(٢) قواعد الفقه، لمحمد البركتي، ص ٢٣٦.
(٣) انظر: التلفيق بين المذاهب الفقهية، للعتيبي ص ١٨.

<<  <   >  >>