للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المبحث الثاني:

المستندات الشرعية للهندسة المالية الإسلامية من اجتهادات الصحابة

من قواعد الحياة أنها لا تدوم على وتيرة واحدة، بل هي في تغير دائم، وتطور مستمر، وهذه إحدى السنن الكونية، قال ابن خلدون (١): "إن أحوال العالم والأمم وعوائدهم ونحلهم، لا تدوم على وتيرة واحدة، ومنهاج مستقر، إنما هو اختلاف على الأيام والأزمنة، وانتقال من حال إلى حال، وكما يكون ذلك في الأشخاص والأوقات والأمصار، فكذلك يقع في الآفاق والأقطار والأزمنة والدول سنة الله التي قد خلت في عباده" (٢).

وقد أدرك النبي -صلى الله عليه وسلم- سنة التغير في الحياة فشجع أصحابه على الاجتهاد؛ ليعرفوا حكم الوقائع المستجدة مع تجدد الحياة، فعن عمرو بن العاص: -رضي الله عنه- "أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: «إِذَا حَكَمَ الحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ، وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ» ". متفق عليه (٣)، وقد أقر النبي -صلى الله عليه وسلم- الصحابة الذين بعثهم إلى بني قريظة على اجتهادهم في أداء وقت صلاة العصر، مع الاختلاف بين الاجتهادين، فعن ابن عمر -رضي الله عنه-، قال: "قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- لَنَا لَمَّا رَجَعَ مِنَ الأَحْزَابِ: «لَا يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ العَصْرَ إِلَّا فِي


(١) هو عبد الرحمن بن محمد بن محمد، ابن خلدون الحضرميّ الإشبيلي، الفيلسوف المؤرخ، العالم الاجتماعي، أصله من إشبيلية، ومولده ومنشأه بتونس عام ٧٣٢ هـ، اشتهر بكتابه "المقدمة" وهي تعد من أصول علم الاجتماع، توفي عام ٨٠٨ هـ. انظر: الأعلام، للزركلي ٣/ ٣٣٠.
(٢) مقدمة ابن خلدون، ص ٢٣.
(٣) رواه البخاري، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب أجر الحاكم إذا اجتهد فأصاب أو أخطأ، برقم ٧٣٥٢، ومسلم، كتاب الأقضية، باب بيان أجر الحاكم إذا اجتهد فأصاب أو أخطأ، برقم ١٧١٦.

<<  <   >  >>