الأمر الثالث: إن الخلاف بين المصارف الإسلامية كثير مع ربط غالب المصارف أحكامها بالعلة المنضبطة، فمعاملة يجيزها مصرف إسلامي، وعينها يحرمها مصرف آخر، وهذا الخلاف أحد أسباب تشكيك الناس في شرعية معاملاتها، وضعف ثقتهم بها، فكيف لو كان التعليل بالحكمة غير المنضبطة؟ سيكون الخلاف أكثر، ولن يكون هناك أي فرق بين البنك الإسلامي والبنك التقليدي إذا أجيز التعامل بالربا الذي هو أعظم المنهيات؛ بسبب التعليل بالحكمة.
الأمر الرابع: إن النبي -صلى الله عليه وسلم- ذكر الالتفاف على العلة كما في حديث تحايل اليهود حين حرمت عليهم الشحوم، وكما في حديث العينة، ومع ذلك لم يأمر بالتعليل بالحكمة لتجنب هذا الالتفاف، ولو كان التعليل بها حلًا لبينه لأمته؛ ولكن لعدم انضباطها هنا لم يعلل بها، ولأن الذي يلتف على العلة لن يراعي الحكمة، ومعالجة الالتفاف على العلة يكون في بيان تحريم هذا الالتفاف والتحايل كما بين النبي -صلى الله عليه وسلم- تحريم ذلك، ورد المعاملات التي فيها التفاف وتحايل.
إن مراعاة العلة مع منافاة الحكمة إبطال للأصل التي اعتبرت العلة من أجله، ومراعاة الحكمة وحدها دون العلة، يترتب عليها فوضى، ومخالفات شرعية؛ لعدم انضباط الحكمة، ولما يترتب عليه من مخالفات شرعية، فالذي ينبغي هو مراعاة العلة دون منافاة للحكمة، قد تتخلف الحكمة في بعض الصور كما سبق بيانه، لكن المهم ألا يكون هناك منافاة لها.
[المطلب الثاني: سلامة الهندسة المالية الإسلامية من العيوب الشكلية للعقود]
ومن ضوابط الهندسة المالية الإسلامية سلامتها من العيوب الشكلية للعقود، ويندرج تحتها الفروع التالية: