للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المبحث الخامس:

التلفيق

بعد تدوين المذاهب الفقهية خرجت آراء تلزم الناس بمذهب واحد، وتحرم عليهم الخروج منه، وسبب هذا الأمر تضييقًا على الناس؛ لأنه من العسير على المرء أن يلتزم مذهبًا معينًا، أو يلتزم بقول إمام واحد لا يخرج عنه، حتى بعض أئمة المذاهب من يحتاج إلى الأخذ بقول غيره من الأئمة؛ فقد"روي عن أبي يوسف (١) أنه صلى الجمعة مغتسلًا من الحمام ثم أخبر بفأرة ميتة في بئر الحمام فقال نأخذ بقول إخواننا من أهل المدينة" (٢). مما دعا ذلك بعض العلماء أن يرفعوا عن الناس هذا الضيق، ويسمحوا للناس أن يأخذوا بقول أي عالم يثقون بدينه وعلمه، ولهم ألا يلتزموا بمذهب معين (٣)، فخرج ما يسمى


(١) هو يعقوب بن إبراهيم بن حبيب الأنصاري، أبو يوسف، ولد سنة ١١٣ هـ، صاحب الإمام أبي حنيفة، وتلميذه، وأول من نشر مذهبه، كان فقيهاً عالماً، وهو أول من دعي قاضي القضاة، وله مصنفات منها: "الخراج"، و"النوادر"، و"الأمالي في الفقه"، مات سنة ١٨٢ هـ. انظر: الجواهر المضية، للقرشي ٢/ ٢٢٠، الأعلام، للزركلي ٨/ ١٩٣.
(٢) حاشية ابن عابدين ١/ ٧٥.
(٣) اختلف العلماء في حكم إلزام المسلم بمذهب معين، وعدم الخروج منه على ثلاثة أقوال: القول الأول: أنه يجب التمذهب، ولا يجوز الخروج من المذهب، القول الثاني: أنه لا يجب التمذهب، ولا يجوز الخروج من المذهب لمن التزم مذهبًا، القول الثالث: أنه لا يجب التمذهب، ويجوز الخروج من المذهب لمن التزم مذهبا، والراجح هو القول الثالث؛ وذلك لأنه لا واجب إلا ما أوجبه الله ورسوله، ولم يوجب الله ولا رسوله على أحد من الناس أن يتمذهب بمذهب رجل من الأمة فيقلده دون غيره، ولم يرد عن الصحابة أنهم أوجبوا على العوام تعيين المجتهدين، ووجوب الاقتصار على مفت واحد دون غيره. انظر: المستصفى، للغزالي ٤/ ١٥٤، البحر المحيط، للزركشي ٨/ ٣٧٥، عقد الجيد في أحكام الاجتهاد والتقليد، لولي الله الدهلوي ص ٣١، إرشاد الفحول، للشوكاني ٢/ ٢٥٢، مجموع الفتاوى، لابن تيمية ٢٠/ ٢٢٢، مطالب أولى النهى، للرحيباني ١/ ٣٩٠.

<<  <   >  >>