للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بَنِي قُرَيْظَةَ» فَأَدْرَكَ بَعْضَهُمُ العَصْرُ فِي الطَّرِيقِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا نُصَلِّي حَتَّى نَأْتِيَهَا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ نُصَلِّي، لَمْ يُرَدْ مِنَّا ذَلِكَ، فَذُكِرَ لِلنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، فَلَمْ يُعَنِّفْ وَاحِدًا مِنْهُمْ"متفق عليه (١)، وفي إقراره لهم -صلى الله عليه وسلم- على هذا الاختلاف تشجيع لهم على الاجتهاد، بل إن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يبين أي الطائفتين كانت على صواب، وفي ذلك تشجيع للفقهاء الذين جاؤوا من بعد الصحابة -رضي الله عنهم- ليجتهدوا أي الطائفتين كانت أقرب للصواب (٢)، فمنهج رسول -صلى الله عليه وسلم- التشجيع على الاجتهاد لمن كان عالمًا أهلًا للحُكم، قال النووي: "قال العلماء: أجمع المسلمون على أن هذا الحديث-أي حديث إذا اجتهد الحاكم- في حاكم عالم أهل للحكم" (٣).

ولقد سار الصحابة -رضي الله عنهم- على النهج الذي رسمه لهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وكانوا أولى الناس باتباع نهجه، واقتفاء سيرته، فكان لهم الكثير من الاجتهادات في شتى نواحي الحياة، يقول الجويني (٤): "لم يخلُ أحد من علماء الصحابة من الاجتهاد في مسائل، وإن لم ينقل عنهم الاجتهاد في مسألة واحدة، فقد صح النقل المتواتر في مصير كل واحد منهم إلى


(١) رواه البخاري، كتاب صلاة الخوف، باب صلاة الطالب والمطلوب راكبًا وإيماءً، برقم ٩٤٦، ومسلم، كتاب الجهاد والسير، باب المبادرة بالغزو وتقديم أهم الأمرين المتعارضين، برقم ١٧٧٠.
(٢) قال ابن القيم: "واختلف الفقهاء أيهما كان أصوب؟ فقالت طائفة: الذين أخروها هم المصيبون، … ، وقالت طائفة أخرى: بل الذين صلوها في الطريق في وقتها حازوا قصب السبق " زاد المعاد ٣/ ١٣١.
(٣) المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج، للنووي ١٢/ ٢٤٠.
(٤) هو أبو المعالي الجويني، عبدالملك بن عبدالله بن يوسف، الفقيه الشافعي، ولد سنة ٤١٩ هـ، وتفقّه على والده، وجاور بمكة في شبيبته أربعة أعوام، ومن ثم قيل له إمام الحرمين، وكان أحد أوعية العلم، ومن تصانيفه: "نهاية المطلب في دراية المذهب"، و"البرهان"، و"غياث الأمم"، توفي سنة ٤٧٨ هـ. انظر: شذرات الذهب، لابن العماد ٥/ ٣٣٨، سير أعلام النبلاء، للذهبي ١٨/ ٤٦٨.

<<  <   >  >>