للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْأَصْغَرِ ثَابِتِ النَّسَبِ) فَإِنَّهُ يُعْتَقُ بِلَا نِيَّةٍ؛ لِأَنَّ الْأَكْبَرِيَّةَ فِي الْأَوَّلِ وَثُبُوتَ النَّسَبِ فِي الثَّانِي يَمْنَعَانِ إرَادَةَ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ وَهُوَ ثُبُوتُ الْبُنُوَّةِ فَيُصَارُ إلَى الْمَجَازِ، وَيُرَادُ ثُبُوتُ الْحُرِّيَّةِ اللَّازِمُ لِلْبُنُوَّةِ وَفِيهِ خِلَافُ الْإِمَامَيْنِ وَالشَّافِعِيِّ.

(وَأَمَّا غَيْرُ ثَابِتِهِ) أَيْ غَيْرُ ثَابِتِ النَّسَبِ يَعْنِي مَجْهُولَ النَّسَبِ (فِي مَوْلِدِهِ) أَيْ وَطَنِهِ الْأَصْلِيِّ إشَارَةً إلَى الْخِلَافِ فِي تَفْسِيرِ مَجْهُولِ النَّسَبِ قَالَ فِي الْقُنْيَةِ: مَجْهُولُ النَّسَبِ الَّذِي يُذْكَرُ فِي الْكُتُبِ هُوَ الَّذِي لَا يُعْرَفُ نَسَبُهُ فِي الْبَلْدَةِ الَّتِي هُوَ فِيهَا وَمُخْتَارُ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ شُرَّاحِ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهِمْ أَنَّهُ الَّذِي لَا يُعْرَفُ نَسَبُهُ فِي مَوْلِدِهِ وَمَسْقَطِ رَأْسِهِ بِدَلِيلِ الْوِفَاقِ عَلَى أَنَّ الْحَامِلَ الْمَسْبِيَّةَ وَلَدُهَا ثَابِتُ النَّسَبِ فَإِذَا ثَبَتَ نَسَبُ الْحَمْلِ الْخَارِجِ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ مِنْ النِّكَاحِ لَا مِنْ السِّفَاحِ فَلَأَنْ يَثْبُتَ نَسَبُ الشَّخْصِ الْخَارِجِ مِنْهَا أَوْلَى فَالْجَلِيبُ إنَّمَا يَكُونُ مَجْهُولَ النَّسَبِ إذَا لَمْ يُعْرَفْ نَسَبُهُ فِي مَوْلِدِهِ وَوَطَنِهِ الْأَصْلِيِّ (فَيَعْتِقُ وَيَثْبُتُ نَسَبُهُ جَلِيبًا) أَيْ مَجْلُوبًا مِنْ دَارِ الْحَرْبِ (أَوْ مُتَوَلِّدًا) فِي دَارِ الْإِسْلَامِ قَالَ فِي الْكَافِي: وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ جَلِيبًا أَوْ مُتَوَلِّدًا؛ لِأَنَّ صِحَّةَ دَعْوَةِ الْمَوْلَى بِاعْتِبَارِ الْمِلْكِ وَحَاجَةِ الْمَمْلُوكِ إلَى النَّسَبِ وَقَالَ فِي الْكِفَايَةِ: قَوْلُهُ جَلِيبًا إنَّمَا يَصِحُّ إذَا كَانَ جَلِيبًا غَيْرَ ثَابِتِ النَّسَبِ فِي مَسْقَطِ رَأْسِهِ أَمَّا إذَا كَانَ ثَابِتَ النَّسَبِ فِي مَوْلِدِهِ فَلَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْ مَوْلَاهُ وَلِهَذَا قُلْت هَاهُنَا غَيْرُ ثَابِتَةٍ فِي مَوْلِدِهِ وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ: هَذَا بِنْتِي أَوْ لِأَمَتِهِ: هَذِهِ ابْنِي قِيلَ هُوَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ، وَقِيلَ لَا يَعْتِقُ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ الْمُشَارَ إلَيْهِ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْمُسَمَّى (كَذَا) أَيْ كَمَا يَعْتِقُ بِقَوْلِهِ هَذَا ابْنِي عَلَى الْخِلَافِ يَعْتِقُ بِقَوْلِهِ (هَذَا أَبِي أَوْ أُمِّي) بِطَرِيقِ الْمَجَازِ كَمَا ذُكِرَ (لَا هَذَا أَخِي) حَيْثُ لَا يَعْتِقُ بِهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يَعْنِي إذَا وُجِدَتْ الْأُبُوَّةُ أَوْ الْأُمُومَةُ فِي الْمِلْكِ كَانَتَا مُوجِبَتَيْنِ لِلْعِتْقِ بِلَا وَاسِطَةٍ فَتَكُونُ الْحُرِّيَّةُ لَازِمَةً لَهُمَا فَيَصِحُّ الْمَجَازُ بِلَا ذِكْرِ وَاسِطَةٍ بِخِلَافِ الْأُخُوَّةِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ إلَّا بِوَاسِطَةِ الْأَبِ أَوْ الْأُمِّ؛ لِأَنَّهَا عِبَارَةٌ عَنْ الْمُجَاوَرَةِ فِي صُلْبٍ أَوْ رَحِمٍ وَهَذِهِ الْوَاسِطَةُ غَيْرُ مَذْكُورَةٍ وَلَا مُوجِبَ لِهَذِهِ الْكَلِمَةِ فِي الْمِلْكِ بِدُونِ هَذِهِ الْوَاسِطَةِ فَإِذَا لَمْ تُذْكَرْ لَغَا الْكَلَامُ لِعَدَمِ صِحَّةِ الْمَجَازِ (إلَّا إذَا قَالَ مِنْ النَّسَبِ أَوْ لِأَبٍ أَوْ لِأُمٍّ) قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ: إنَّ اخْتِلَافَ الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْأَخِ إنَّمَا كَانَ إذَا ذَكَرَهُ مُطْلَقًا بِأَنْ قَالَ: هَذَا أَخِي فَأَمَّا إذَا ذَكَرَهُ مُقَيَّدًا بِأَنْ قَالَ: هَذَا أَخِي لِأَبِي أَوْ لِأُمِّي فَيَعْتِقُ بِلَا تَرَدُّدٍ وَلِأَنَّ مُطْلَقَ الْأُخُوَّةِ مُشْتَرَكٌ، وَقَدْ يُرَادُ بِهَا الْأُخُوَّةُ فِي الدِّينِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات: ١٠] وَالْمُشْتَرَكُ لَا يَكُونُ حُجَّةً فَأَمَّا إذَا قَيَّدَ بِمَا ذُكِرَ تَعَيَّنَ الْمُرَادُ، فَإِنْ قِيلَ الْبُنُوَّةُ أَيْضًا مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ نَسَبٍ وَرَضَاعٍ فَكَيْفَ يَثْبُتُ الْعِتْقُ بِإِطْلَاقِ قَوْلِهِ هَذَا ابْنِي قُلْنَا مِثْلُ هَذَا الْمَجَازِ لَا يُعَارِضُ الْحَقِيقَةَ فَإِذَا امْتَنَعَتْ يُصَارُ إلَى مَجَازٍ يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا عَلَاقَةٌ وَهُوَ هَذَا حُرٌّ فَإِنَّ الْحُرِّيَّةَ لَازِمَةٌ لِلْبُنُوَّةِ فَيَكُونُ الِانْتِقَالُ مِنْ الْمَلْزُومِ إلَى اللَّازِمِ (كَذَا) أَيْ كَقَوْلِهِ هَذَا أَخِي (هَذَا جَدِّي) حَيْثُ لَا يَعْتِقُ (إلَّا إذَا قَالَ أَبُو أَبِي) فَإِنَّ هَذَا الْكَلَامَ لَا يُفِيدُ الْعِتْقَ إلَّا بِوَاسِطَةٍ إذْ لَا مُوجِبَ لَهُ فِي الْمِلْكِ إلَّا بِهِ كَمَا سَبَقَ.

ثُمَّ لَمَّا ذَكَرَ الْعِتْقَ الْحَاصِلَ بِالْإِعْتَاقِ الِاخْتِيَارِيِّ أَرَادَ أَنْ يَذْكُرَ مَسَائِلَ الْعِتْقِ الْحَاصِلِ بِلَا اخْتِيَارٍ فَقَالَ (مَنْ مَلَكَ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ الْآتِي عَتَقَ عَلَيْهِ (ذَا رَحِمٍ) الرَّحِمُ فِي الْأَصْلِ وِعَاءُ الْوَلَدِ فِي بَطْنِ أُمِّهِ وَسُمِّيَتْ الْقَرَابَةُ مِنْ جِهَةِ الْوِلَادِ رَحِمًا وَمِنْهُ ذُو الرَّحِمِ (مَحْرَمٍ) الْمَحْرَمَانِ

ــ

[حاشية الشرنبلالي]

قَوْلُهُ: وَفِيهِ خِلَافُ الْإِمَامَيْنِ) الْخِلَافُ فِي الْأَكْبَرِ سِنًّا لَا فِي الْأَصْغَرِ لِمَا قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ وَأَمَّا إذَا كَانَ يُولَدُ مِثْلُهُ لِمِثْلِهِ إلَّا أَنَّهُ مَعْرُوفُ النَّسَبِ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِمَا لَا يَسْتَحِيلُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَخْلُوقًا مِنْ مَائِهِ بِشُبْهَةٍ أَوْ زِنًا. اهـ.

(قَوْلُهُ: فَيَعْتِقُ وَيَثْبُتُ نَسَبُهُ إلَخْ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْ غَيْرِ تَصْدِيقٍ سَوَاءٌ كَانَ صَغِيرًا لَا يُعَبِّرُ أَوْ يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي الصَّغِيرِ وَأَمَّا الْكَبِيرُ إذَا ادَّعَى سَيِّدُهُ بُنُوَّتَهُ وَكَانَ يُولَدُ مِثْلُهُ لَهُ أَوْ أُبُوَّتَهُ أَوْ أُمُومَتَهُ وَكَانَ يُولَدُ مِثْلُهُ لَهُمَا وَلَا نَسَبَ لِلْمُقِرِّ مَعْرُوفٌ فَقِيلَ لَا يُحْتَاجُ إلَى تَصْدِيقِ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ إقْرَارَ الْمَالِكِ عَلَى مَمْلُوكِهِ يَصِحُّ مِنْ غَيْرِ تَصْدِيقِهِ، وَقِيلَ يُشْتَرَطُ تَصْدِيقُهُ فِيمَا سِوَى دَعْوَةِ الْبُنُوَّةِ؛ لِأَنَّ فِيهِ حَمْلَ النَّسَبِ عَلَى الْغَيْرِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَلَكِنْ سَيَذْكُرُ الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ أَنَّهُ يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْ الْمَوْلَى بِمُجَرَّدِ إقْرَارِهِ وَلَمْ يَحْكِ فِيهِ خِلَافًا وَقَدْ عَلِمْتَهُ (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ هَذَا بِنْتِي) ذَكَرَ فِي الْبُرْهَانِ اسْمَ الْإِشَارَةِ مُؤَنَّثًا (قَوْلُهُ: وَقِيلَ لَا يَعْتِقُ بِالْإِجْمَاعِ) هُوَ الْأَظْهَرُ؛ لِأَنَّ الْمُشَارَ إلَيْهِ إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ جِنْسِ الْمُسَمَّى فَالْعِبْرَةُ لِلْمُسَمَّى كَمَا لَوْ بَاعَ فَصًّا عَلَى أَنَّهُ يَاقُوتٌ فَإِذَا هُوَ زُجَاجٌ كَانَ بَاطِلًا، وَالذَّكَرُ وَالْأُنْثَى مِنْ بَنِي آدَمَ جِنْسَانِ فَتَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِالْمُسَمَّى وَهُوَ مَعْدُومٌ وَلَا يُتَصَوَّرُ تَصْحِيحُ الْكَلَامِ فِي الْمَعْدُومِ إيجَابًا أَوْ إقْرَارًا فَيَلْغُو كَذَا فِي الْبُرْهَانِ إلَّا أَنَّهُ اقْتَصَرَ عَلَى مَا إذَا قَالَ هَذِهِ بِنْتِي لِعَبْدِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ عَكْسَهُ، وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِمَا الْكَمَالُ (قَوْلُهُ: إلَّا إذَا قَالَ أَبُو أَبِي) يَنْبَغِي أَنْ لَا حَصْرَ فِي هَذَا إذْ أَبُ الْأُمِّ بَلْ أَعَمُّ مِنْهُ مِثْلُهُ.

(قَوْلُهُ: ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ) يَعْنِي وَمَحْرَمِيَّتُهُ بِالْقَرَابَةِ لَا الرَّضَاعِ حَتَّى لَوْ مَلَكَ ابْنَةَ عَمِّهِ وَهِيَ أُخْتُهُ رَضَاعًا لَا تَعْتِقُ كَمَا فِي الْبَحْرِ

<<  <  ج: ص:  >  >>