كَانَ الْأَبُ عَرَبِيًّا؛ لِأَنَّ أَنْسَابَ الْعَرَبِ قَوِيَّةٌ مُعْتَبَرَةٌ فِي حُكْمِ الْكَفَاءَةِ، وَالْعَقْلُ مِنْ الْعَاقِلَةِ لِكَوْنِ تَنَاصُرِهِمْ بِهَا فَأَغْنَتْ عَنْ الْوَلَاءِ.
(الْأُمُّ إذَا كَانَتْ حُرَّةَ الْأَصْلِ بِمَعْنَى عَدَمِ الرِّقِّ فِي أَصْلِهَا فَلَا وَلَاءَ عَلَى وَلَدِهَا، وَالْأَبُ إذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَوْ عَرَبِيًّا لَا وَلَاءَ عَلَيْهِ مُطْلَقًا وَلَوْ عَجَمِيًّا لَا وَلَاءَ عَلَيْهِ لِقَوْمِ الْأَبِ وَيَرِثُهُ مُعْتِقُ الْأُمِّ وَعَصَبَتُهُ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ) اعْلَمْ أَنَّ لَفْظَ حُرُّ الْأَصْلِ يُسْتَعْمَلُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ فِي مَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا مَنْ لَمْ يَجْرِ عَلَى نَفْسِهِ رِقٌّ بَلْ تَوَلَّدَ مِنْ مُعْتِقِهِ بَعْدَ مُضِيِّ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ النِّكَاحِ وَالْعُلُوقِ أَوْ مِمَّنْ فِي أَصْلِهَا رَقِيقٌ، وَالثَّانِي مَنْ لَا يَكُونُ فِي أَصْلِهِ رِقٌّ أَصْلًا وَأَنَّ الْوَلَاءَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَغَيْرُهُ مَبْنِيٌّ عَلَى زَوَالِ الْمِلْكِ وَلِهَذَا قَالُوا لَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ بِالتَّسَامُعِ فِي الْوَلَاءِ، كَمَا فِي الْعِتْقِ، وَزَوَالُهُ فَرْعُ ثُبُوتِهِ وَثُبُوتُهُ عَلَى الْوَلَدِ يَكُونُ مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْوَلَدَ يَتْبَعُ الْأُمَّ فِي الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ وَلَا يَسْرِي مِلْكُ الْأَبِ إلَى الْوَلَدِ فَلَا يَكُونُ زَوَالُهُ عَنْ الْوَلَدِ إلَّا مِنْ قِبَلِ مُعْتِقِ الْأُمِّ، وَعَصَبَتُهُ فِي حُكْمِهِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِي جَانِبِ الْأُمِّ رِقٌّ لَا يُتَصَوَّرُ عَلَى الْوَلَدِ وَلَاءٌ وَأَنَّ اللَّفْظَ إذَا كَانَ قَطْعِيًّا فِي مَعْنًى وَجَبَ أَنْ يُحْمَلَ عَلَيْهِ الظَّاهِرُ الْمُحْتَمِلُ لَهُ وَلِغَيْرِهِ وَأَنَّ الْمُطْلَقَ يُحْمَلُ عَلَى الْمُقَيَّدِ فِي الرِّوَايَاتِ إذَا عَرَفْت هَذِهِ الْمُقَدِّمَاتِ فَاعْلَمْ أَنَّ صَاحِبَ الْبَدَائِعِ ذَكَرَ فِيهِ أَنَّ مِنْ شَرَائِطِ ثُبُوتِ الْوَلَاءِ أَنْ لَا تَكُونَ الْأُمُّ حُرَّةً أَصْلِيَّةً فَإِنْ كَانَتْ فَلَا وَلَاءَ لِأَحَدٍ عَلَى وَلَدِهَا وَإِنْ كَانَ الْأَبُ مُعْتَقًا لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْوَلَدَ يَتْبَعُ الْأُمَّ فِي الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ وَلَا وَلَاءَ لِأَحَدٍ عَلَى أُمِّهِ فَلَا وَلَاءَ عَلَى وَلَدِهَا فَإِنَّهُ أَرَادَ بِالْحُرِّيَّةِ الْأَصْلِيَّةِ الْحُرِّيَّةَ الْأَصْلِيَّةَ بِالْمَعْنَى الثَّانِي بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ: وَلَا وَلَاءَ لِأَحَدٍ عَلَى أُمِّهِ، وَقَدْ عَرَفْت أَنَّ الْوَلَاءَ مَبْنِيٌّ عَلَى زَوَالِ الْمِلْكِ وَزَوَالُ الْمِلْكِ بِالْوَاسِطَةِ لَا يَكُونُ إلَّا مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ فَإِذَا كَانَتْ حُرَّةَ الْأَصْلِ بِهَذَا الْمَعْنَى لَمْ يَثْبُتْ عَلَى الْوَلَدِ مِلْكٌ فَلَا يَثْبُتُ عَلَيْهِ وَلَاءٌ وَوَافَقَهُ كَلَامُ الشَّيْخِ رَشِيدِ الدِّينِ مُحَمَّدٍ النَّيْسَابُورِيِّ فِي شَرْحِ التَّكْمِلَةِ وَكَلَامُ صَاحِبِ الْمُحِيطِ فِي مُخْتَصَرِ الْمُحِيطِ وَكَلَامُ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ مَسْعُودِ بْنِ الْحُسَيْنِ فِي مُخْتَصَرِهِ الْمَشْهُورِ بِالْمَسْعُودِيِّ وَكَلَامُهُ فِيمَا صَنَّفَهُ فِي الْفَرَائِضِ وَسَمَّاهُ بِالْكَافِي وَأَمَّا مَا قَالَ فِي الْمُنْيَةِ الْوَلَدُ وَإِنْ عَلَقَ حُرَّ الْأَصْلِ بِأَنْ كَانَتْ أُمُّهُ حُرَّةً أَصْلِيَّةً أَوْ عَارِضِيَّةً يَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ عَلَيْهِ وَلَاءٌ إمَّا لِقَوْمِ الْأَبِ أَوْ لِقَوْمِ الْأُمِّ ثُمَّ قَالَ: إنْ كَانَ الْأَبُ حُرَّ الْأَصْلِ لَا وَلَاءَ لِقَوْمِ الْأَبِ وَكَذَا إذَا كَانَتْ الْأُمُّ حُرَّةَ الْأَصْلِ لَا وَلَاءَ لِقَوْمِ الْأُمِّ؛ لِأَنَّ حُرَّ الْأَصْلِ لَمْ يَجْرِ عَلَيْهِ عِتْقٌ فَالْمُتَبَادِرُ مِنْ ظَاهِرِهِ أَنَّ الْأُمَّ إذَا كَانَتْ حُرَّةَ الْأَصْلِ مُطْلَقًا جَازَ أَنْ يَثْبُتَ عَلَى وَلَدِهَا الْوَلَاءُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ مُرَادُهُ بِالْحُرِّيَّةِ الْأَصْلِيَّةِ هَاهُنَا الْحُرِّيَّةُ الْأَصْلِيَّةُ بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ بِقَرِينَةِ أَنَّهُ جَعَلَ الْوَلَدَ الْمُتَوَلِّدَ مِنْ حُرَّةٍ عَارِضِيَّةٍ وَهِيَ الْمُعْتَقَةُ حُرَّ الْأَصْلِ ثُمَّ جَعَلَ الْحُرِّيَّةَ الْأَصْلِيَّةَ مُقَابِلَةً لِلْعَارِضِيِّ فَلَا مُخَالَفَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا سَبَقَ مِنْ الْحَقِّ فَصُورَةُ كَوْنِ الْوَلَاءِ لِقَوْمِ الْأَبِ مَا إذَا كَانَ فِي نَسَبِ الْأَبِ رَقِيقٌ وَالْوَلَدُ وُلِدَ مِنْ مُعْتِقِهِ أَوْ مِمَّنْ وَلَدَتْ مِنْ مُعْتِقِهِ، وَصُورَةُ كَوْنِ الْوَلَاءِ لِقَوْمِ الْأُمِّ مَا إذَا كَانَ الْأَبُ نِبْطِيًّا حُرَّ الْأَصْلِ تَزَوَّجَ بِمُعْتَقَةِ إنْسَانٍ أَوْ مَنْ وُلِدَتْ مِنْ مُعْتَقَةٍ فَإِنَّ وَلَاءَ الْوَلَدِ فِي الْأَوَّلِ لِقَوْمِ الْأَبِ اتِّفَاقًا وَفِي الثَّانِي لِقَوْمِ الْأُمِّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى، فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْأَبَوَيْنِ إذَا كَانَا حُرَّيْنِ أَصْلِيَّيْنِ بِالْمَعْنَى الثَّانِي فَلَا وَلَاءَ عَلَى الْوَلَدِ وَإِذَا كَانَا مُعْتَقَيْنَ أَوْ فِي أَصْلِهِمَا مُعْتَقٌ فَالْوَلَاءُ لِقَوْمِ الْأَبِ، وَإِذَا كَانَ الْأَبُ مُعْتَقًا أَوْ فِي أَصْله مُعْتَقٌ وَالْأُمُّ
ــ
[حاشية الشرنبلالي]
قَوْلُهُ: وَالْأَبُ إذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَوْ عَرَبِيًّا لَا وَلَاءَ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى وَلَدِهِ مُطْلَقًا تَقْيِيدُهُ بِالْعَرَبِيِّ اتِّفَاقِيٌّ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْأَبُ مَوْلَى عَرَبِيٍّ لَا وَلَاءَ لِأَحَدٍ عَلَى وَلَدِهِ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْعَرَبِيِّ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْهُمْ» ، كَذَا فِي الْبَدَائِعِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ عَجَمِيًّا لَا وَلَاءَ عَلَيْهِ. . . إلَخْ) مُسْتَدْرَكٌ بِقَوْلِهِ قَبْلَهُ عَجَمِيٌّ لَهُ مَوْلَى مُوَالَاةٍ (قَوْلُهُ: وَلِهَذَا قَالُوا لَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ بِالتَّسَامُعِ فِي الْوَلَاءِ) هَذَا عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ، كَمَا فِي مُخْتَصَرِ الظَّهِيرِيَّةِ (قَوْلُهُ: وَثُبُوتُهُ عَلَى الْوَلَدِ يَكُونُ مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ) يَعْنِي بِالْأَصَالَةِ؛ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ لِمَوَالِيهِ بِإِعْتَاقِهِ، وَقَدْ حَمَلَتْ بِالْوَلَدِ بَعْدَ عِتْقِهَا ثُمَّ أُعْتِقَ الْأَبُ فَجَرَّ وَلَاءَ وَلَدِهِ إلَى مَوَالِيه كَمَا تَقَدَّمَ (قَوْلُهُ: فَلَا يَكُونُ زَوَالُهُ عَنْ الْوَلَدِ إلَّا مِنْ قِبَلِ مُعْتِقِ الْأُمِّ) يَعْنِي زَوَالًا بِوَاسِطَةٍ كَمَا سَيَذْكُرُ وَإِلَّا فَالْحَصْرُ غَيْرُ مُسَلَّمٍ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ إذَا مُلِكَ ثُمَّ أَعْتَقَهُ مَالِكُهُ كَانَ الْوَلَاءُ لَهُ لَا لِمَوَالِي الْأُمِّ وَلَا لِمَوَالِي الْأَبِ وَكَذَا لَوْ كَانَ حَمْلًا أَوْصَى بِهِ فَأَعْتَقَهُ الْمُوصَى لَهُ بِهِ (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ مُرَادُهُ بِالْحُرِّيَّةِ. . . إلَخْ) فِيهِ تَكَلُّفٌ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الْعَطْفَ يَقْتَضِي الْمُغَايَرَةَ فَالْمُخَالَفَةُ ثَابِتَةٌ، وَحَصَلَ التَّدَافُعُ فِي كَلَامِ الْمُنْيَةِ عَلَى هَذَا لِتَجْوِيزِهِ الْوَلَاءَ عَلَى مَنْ أُمُّهُ حُرَّةٌ بِالْأَصَالَةِ ثُمَّ نَفْيِهِ عَنْهُ بَعْدَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute