للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكَّلَ مُسْلِمًا بِشِرَاءٍ أَوْ بَيْعٍ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا عَلَيْهِ لِأَنَّهَا شَهَادَةُ كَافِرٍ قَامَتْ لِإِثْبَاتِ أَمْرٍ عَلَى الْمُسْلِمِ قَصْدًا كَذَا فِي شَرْحِ الْمَسْعُودِيِّ لِتَلْخِيصِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ

(لَا مِنْ كَافِرٍ عَلَى مُسْلِمٍ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ تُقْبَلُ مِنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ (إلَّا فِي الْوِصَايَةِ وَالنَّسَبِ إذَا ادَّعَى حَقًّا مِنْ قِبَلِ الْمَيِّتِ عَلَى خَصْمٍ حَاضِرٍ) يَعْنِي إذَا ادَّعَى الْإِيصَاءَ مِنْ نَصْرَانِيٍّ وَأَقَامَ شَاهِدَيْنِ نَصْرَانِيَّيْنِ عَلَى خَصْمٍ مُسْلِمٍ أَوْ ادَّعَى أَنَّ فُلَانَ ابْنَ فُلَانٍ النَّصْرَانِيَّ مَاتَ وَهُوَ وَارِثُهُ وَأَحْضَرَ مُسْلِمًا لِلْمَيِّتِ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَأَقَامَ شَاهِدَيْنِ نَصْرَانِيَّيْنِ عَلَى نَسَبِهِ تُقْبَلُ وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تُقْبَلَ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ لَا يَحْضُرُونَ مَوْتَ النَّصَارَى وَالْوِصَايَةَ تَكُونُ عِنْدَ الْمَوْتِ غَالِبًا وَسَبَبَ ثُبُوتِ النَّسَبِ النِّكَاحُ وَهُمْ لَا يَحْضُرُونَ نِكَاحَهُمْ فَلَوْ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَةُ النَّصْرَانِيِّ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي إثْبَاتِ الْإِيصَاءِ الَّذِي بِنَاؤُهُ عَلَى الْمَوْتِ وَالنَّسَبِ الَّذِي بِنَاؤُهُ عَلَى النِّكَاحِ أَدَّى إلَى ضَيَاعِ الْحُقُوقِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْإِيصَاءِ فَقُبِلَتْ ضَرُورَةً كَمَا قُبِلَتْ شَهَادَةُ الْقَابِلَةِ لِلضَّرُورَةِ.

(وَ) لَا مِنْ (أَعْمَى) لِأَنَّ الْأَدَاءَ يَفْتَقِرُ إلَى التَّمْيِيزِ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ وَالْمَشْهُودَ بِهِ إنْ كَانَ مَنْقُولًا وَلَا يُمَيِّزُ الْأَعْمَى إلَّا بِالنَّغْمَةِ وَفِيهِ شُبْهَةٌ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهَا بِجِنْسِ الشُّهُودِ (وَمُرْتَدٍّ) إذْ الشَّهَادَةُ مِنْ بَابِ الْوِلَايَةِ وَلَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى أَحَدٍ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَلَوْ عَلَى كَافِرٍ

(وَمَمْلُوكٍ وَصَبِيٍّ) إذْ لَا وِلَايَةَ لَهُمَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا فَعَلَى غَيْرِهِمَا أَوْلَى (إلَّا أَنْ يَتَحَمَّلَاهَا) أَيْ الشَّهَادَةَ (فِي الرِّقِّ وَالصِّغَرِ وَأَدَّيَا بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ وَالْبُلُوغِ) فَحِينَئِذٍ تُقْبَلُ لِأَنَّ التَّحَمُّلَ بِالْمُعَايَنَةِ أَوْ السَّمَاعِ وَهُمَا لَا يُنَافِيَانِهِمَا وَعِنْدَ الْأَدَاءِ هُمَا مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ

(وَمَحْدُودٍ فِي قَذْفٍ وَإِنْ تَابَ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا} [النور: ٤] (إلَّا أَنْ يُحَدَّ كَافِرٌ فَيُسْلِمَ) فَإِنَّ الْكَافِرَ إذَا حُدَّ فِي الْقَذْفِ لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ لِأَنَّ لَهُ شَهَادَةً عَلَى جِنْسِهِ فَتُرَدُّ تَتِمَّةً لِحَدِّهِ فَإِنْ أَسْلَمَ قَبِلَ شَهَادَتَهُ عَلَيْهِمْ وَعَلَى الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّ هَذِهِ شَهَادَةٌ

ــ

[حاشية الشرنبلالي]

قَوْلُهُ لَا مِنْ كَافِرٍ عَلَى مُسْلِمٍ) الْمُعْتَبَرُ إسْلَامُهُ حَالَ الْقَضَاءِ لَا حَالَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ وَلَا حَالَ الشَّهَادَةِ قَبْلَ الْإِمْضَاءِ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ لِمَا قَالَ فِي الْمُحِيطِ شَهِدَ ذِمِّيَّانِ بِمَالٍ عَلَى ذِمِّيٍّ فَأَسْلَمَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ قَبْلَ الْقَضَاءِ لَا يَقْضِي لِأَنَّ الشَّهَادَةَ إنَّمَا تَصِيرُ حُجَّةً وَقْتَ الْقَضَاءِ وَوَقْتَ الْقَضَاءِ الشَّاهِدُ كَافِرٌ وَالْمَشْهُودُ عَلَيْهِ مُسْلِمٌ فَلَا تَصِيرُ حُجَّةً وَأَنَّ الْمُسْلِمَ الْمَشْهُودَ بَعْدَ الْقَضَاءِ قَبْلَ الْإِمْضَاءِ لَا يُنَفِّذُهُ لِأَنَّ الْإِمْضَاءَ فِي بَابِ الْحُدُودِ مِنْ الْقَضَاءِ وَفِي بَابِ الْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ وَفِيمَا دُونَهَا يُنَفِّذُهُ قِيَاسًا لَا اسْتِحْسَانًا لِمَا عُرِفَ وَإِذَا لَمْ يُنَفِّذْهُ هَلْ تَجِبُ الدِّيَةُ ذَكَرَ الْخَصَّافُ فِي أَدَبِ الْقَاضِي أَنَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ تَجِبُ وَاخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ قِيلَ هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَقِيلَ هَذَا قَوْلُ الْكُلِّ فَقِيلَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَنْفُذُ الْقِصَاصُ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ وَلَا يَقْضِي بِالدِّيَةِ فِي النَّفْسِ وَعِنْدَهُمَا يَقْضِي بِالدِّيَةِ فِيهِمَا وَهَذَا الِاخْتِلَافُ كَالِاخْتِلَافِ فِي الْقَضَاءِ بِالنُّكُولِ عِنْدَهُ يَنْفُذُ الْقَضَاءُ بِالْقِصَاصِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ وَلَا يَقْضِي بِشَيْءٍ فِي النَّفْسِ وَعِنْدَهُمَا يَقْضِي بِالدِّيَةِ فِيهِمَا (قَوْلُهُ إلَّا فِي الْوِصَايَةِ) تَصَوُّرُ الْوِصَايَةِ بِمَا قَالَ فِي الْمُحِيطِ أَوْصَى كَافِرٌ إلَى مُسْلِمٍ فَأَقَامَ رَجُلٌ الْبَيِّنَةَ مِنْ أَهْلِ الْكُفْرِ بِدَيْنٍ عَلَى الْمَيِّتِ جَازَ لِأَنَّ هَذِهِ شَهَادَةٌ قَامَتْ عَلَى كَافِرٍ وَهُوَ الْمَيِّتُ لَا الْوَصِيُّ (قَوْلُهُ يَعْنِي إذَا ادَّعَى الْإِيصَاءَ مِنْ نَصْرَانِيٍّ وَأَقَامَ شَاهِدَيْنِ نَصْرَانِيَّيْنِ عَلَى خَصْمٍ مُسْلِمٍ) الَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ هَذَا مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا كَانَ الْخَصْمُ الْمُسْلِمُ مُقِرًّا بِالدَّيْنِ لِلنَّصْرَانِيِّ الْمَيِّتِ مُنْكِرًا لِلْوِصَايَةِ فَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الذِّمِّيَّيْنِ لِإِثْبَاتِ الْوِصَايَةِ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ عَلَى النَّصْرَانِيِّ الْمَيِّتِ أَمَّا لَوْ كَانَ الْخَصْمُ الْمُسْلِمُ مُنْكَرًا لِلدَّيْنِ كَيْفَ تُقْبَلُ شَهَادَةُ الذِّمِّيَّيْنِ عَلَيْهِ بِهِ فَلْيَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ أَوْ ادَّعَى أَنَّ فُلَانَ ابْنَ فُلَانٍ النَّصْرَانِيَّ. . . إلَخْ) كَذَا يَظْهَرُ لِي أَنَّ هَذَا فِيمَا إذَا أَقَرَّ الْخَصْمُ بِالْمَالِ لَا نَسَبِ الْمُدَّعِي وَفِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إشَارَةٌ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ فَلَوْ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَةُ النَّصْرَانِيِّ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي إثْبَاتِ الْإِيصَاءِ الَّذِي بِنَاؤُهُ عَلَى الْمَوْتِ وَالنَّسَبِ الَّذِي بِنَاؤُهُ عَلَى النِّكَاحِ. . . إلَخْ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَلَا مِنْ أَعْمَى) سَوَاءٌ عَمِيَ قَبْلَ التَّحَمُّلِ أَوْ بَعْدَهُ فِيمَا تَجُوزُ الشَّهَادَةُ فِيهِ بِالتَّسَامُعِ أَوْ لَا تَجُوزُ وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ تُقْبَلُ فِيمَا يَجُوزُ فِيهِ التَّسَامُعُ وَتُقْبَلُ فِي التَّرْجَمَةِ عِنْدَ الْكُلِّ كَذَا فِي الْفَتْحِ

(قَوْلُهُ وَمَمْلُوكٍ) أَرَادَ بِهِ الرَّقِيقَ لِيَشْمَلَ الْمُكَاتَبَ (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَتَحَمَّلَ فِي الرِّقِّ وَالصِّغَرِ وَأَدَّيَا بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ وَالْبُلُوغِ) شَامِلٌ لِتَحَمُّلِهِ لِسَيِّدِهِ فِي رِقِّهِ وَكَذَا لَوْ تَحَمَّلَ فِي كُفْرِهِ وَأَدَّاهَا فِي إسْلَامِهِ تُقْبَلُ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَكَذَا لَوْ تَحَمَّلَ حَالَ قِيَامِ الزَّوْجَةِ لِزَوْجَتِهِ ثُمَّ أَدَّاهَا بَعْدَ الْإِبَانَةِ كَمَا فِي الصُّغْرَى لَكِنْ قَالَ الْكَمَالُ.

وَفِي الْمُحِيطِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لِمُعْتَدَّتِهِ مِنْ رَجْعِيٍّ وَلَا بَائِنٍ لِقِيَامِ النِّكَاحِ فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ اهـ فَيُمْكِنُ حَمْلُ الْإِبَانَةِ فِي كَلَامِ الْفَتَاوَى الصُّغْرَى عَلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ جَمْعًا بَيْنَهُمَا

(قَوْلُهُ وَمَحْدُودٍ فِي قَذْفٍ) أَشَارَ بِهِ إلَى تَمَامِ الْحَدِّ مُقَامًا عَلَيْهِ وَبِهِ صَرَّحَ الزَّيْلَعِيُّ عَنْ الْمَبْسُوطِ لَا تَسْقُطُ شَهَادَةُ الْقَاذِفِ مَا لَمْ يَضْرِبْ تَمَامَ الْحَدِّ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهَا تَسْقُطُ بِالْأَكْثَرِ وَرُوِيَ بِضَرْبِ سَوْطٍ (قَوْلُهُ وَإِنْ تَابَ) إشَارَةٌ إلَى خِلَافِ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ فِي قَبُولِهِمَا لَهَا إذَا تَابَ وَالْمُرَادُ بِتَوْبَتِهِ الْمُوجِبَةِ لِقَبُولِ الشَّهَادَةِ أَنْ يُكَذِّبَ نَفْسَهُ فِي قَذْفِهِ وَهَلْ يُعْتَبَرُ مَعَهُ إصْلَاحُ الْعَمَلِ فِيهِ قَوْلَانِ ذَكَرَهُ الْكَمَالُ (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يُحَدَّ كَافِرٌ فَيُسْلِمُ) أَشَارَ بِهِ إلَى شَرْطِ تَمَامِ الْحَدِّ حَالَ الْكُفْرِ وَلَوْ حُدَّ بَعْضُهُ فِي حَالِ كُفْرِهِ وَبَاقِيهِ فِي إسْلَامِهِ فِيهِ اخْتِلَافُ الرِّوَايَتَيْنِ كَذَا فِي الْفَتْحِ وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ

<<  <  ج: ص:  >  >>