رأيته على برذون أشهب خلف أصحابه منقطعا عنهم معه جاريتان له تظلانه من الشمس بريش الطواويس فأتيت فسطاط عبد الله بن سعد فطلبت الإذن عليه فقال له حاجبه (دعه فإنه يفكر في شأنكم ولو اتجه له رأي لدعا بالناس) فقلت (أني محتاج إلى مذكراته) فقال له (أمر في أن أحبس الناس عنه، حتى يدعوني) قال فدرت حتى كنت من وراء الفسطاط فرأى وجهي فأومأ إلي أن تعال فدخلت عليه وهو مستلق على فراشه فقال (ما جاء بك؟ يا بن الزبير) فقلت (رأيت عورة من عدونا. فرجوت أن تكون فرصة هيأها الله لنا، وخشيت الفوت) فقام من فوره وخرج حتى رأى ما رأيت فقال (أيها الناس انتدبوا مع ابن الزبير إلى عدوكم) فتسرع إلي جماعة اخترت منها ثلاثين فارسا فقلت (إني حامل فاصرفوا عن ظهري من أرادني فأني سأكفيكم ما أمامي إن شاء الله) قال عبد الله: فحملت في الوجه الذي هو فيه وذب عني الناس الذين انتدبوا معي واتبعوني حتى خرقت صفوفهم إلى أرض خالية فضاء بيني وبينهم فوالله ما حسب إلا أني رسول إليه حتى رأى ما بي من أثر السلاح فقدر أني هارب إليه فلما أدركته، طعنته، فسقط: فرميت نفسي عليه وألقت جارياته عليه أنفسهما فقطعت يد إحداهما، وأجهزت عليه ورفعت رأسه على رمحي وحال أصحابه وحمل المسلمون في ناحيتي وكبروا فانهزم الروم وقتلهم المسلمون كيف شاءوا وثارت الكمائن من كل جهة ومكان وسبقت خيول المسلمين ورجالهم إلى حضن سبيطلة فمنعوهم من دخوله. وركبهم المسلمون يمينا وشمالا في السهل والوعر فقتلوا أنجادهم وفرسانهم وأكثروا فيهم الأسرى حتى لقد كنت أرى في موضع واحد أكثر من ألف أسير.
وذكر أشياخ من أهل أفريقية أن ابنة جرجير لما قتل أبوها تنازع الناس في قتله وهي ناظرة إليهم فقالت (قد رأيت الذي أدرك أبي، فقتله) .