لما ملك بلج الأندلس، واستولى عليها، طلب منه الجند أن يعطيهم ابن قطن في الغسانيّ المذكور؛ فتوفق بلج؛ فألحّ الجند، وثارت اليمن كلها على كلمة واحدة. وكان ابن قطن شيخا هرما، قد بلغ التسعين؛ وكان قد حضر يوم الحرَّة، ومنها فرَّ إلى إفريقية؛ وكان يومئذ بداره بقرطبة؛ فأخرجه الجند منها، كأنه فرخ نعامة من الكبر، وهم ينادونه:(أفلت من سيوفنا يوم الحرة؛ فطلبنا بثأرنا في أكل الدواب والجلود! ثم أردت إخراجنا إلى القتل!) ثم قتلوه، وصلبوه، وصلبوا خنزيرا عن يمينه، وكلبا عن شماله.
ثم إن أمية وقطنا ابني عبد الملك بن قطن حشدا في جهة سرقسطة. وكانا قد هربا من قرطبة وقت إخراج أبيهما منها، وجاءا إلى بلج طالبين يثأرهما، وهما في نيف على مائة ألف من العرب القدماء والحدث؛ فخرج إليهما بلج، وهو في أقل من خمس عددهما؛ فاقتتلوا قتالا شديدا. ثم انهزم ابنا عبد الملك ومن معهما هزيمة عظيمة؛ وانصرف أصحاب بلج ظافرين، وقد امتلأت أيديهم وأنفسهم غنما ونصرا وسرورا، إلا أن يلجأ أميرهم وفيه من جراحة أصابته في المعركة، ومات بعد أيام. وكانت مدة إمارته اثني عشر شهرا. واختلف في ذلك. فقال أبو عمر السالمي: إن تلك المعركة انجلت عن أحد عشر ألف قتيل، وإن عبد الرحمن بن علقمة فوق سهما إلى بلج؛ فأصاب مقتله. قال هذا في (كتاب درر القلائد وغرر الفوائد) . وقال في (كتاب بهجة النفس) : إن عبد الرحمن ابن علقمة المذكور قتله بالسيف، وإن ولايته ستة أشهر. والأول أصح.
ولاية ثعلبة بن سلامة العامليّ الأندلس
وفي سنة ١٢٣، في شوال، ولي الأندلس ثعلبة بن سلامة، ولاه أهل الشام؛ وذلك أن هشام بن عبد الملك كان قد عهد أن يتولى أمر الجيش، إذ جهزه