كان الأمير المنذر - رحمه الله! - يحبُّ إخوته، ويكرمهم، ويدنى مجالسهم، ويصلهم، ويحضرهم مجالس أنسه. وكان يجزل العطاء للشعراء؛ فينشدونه غازيا وراجعا. وكان من شعرائه أحمد بن عبد ربه، والعكي، وغيرهما. ولم يكن أحد من الخلفاء قبله مثله شجاعة وصرامة وعزما وحزما. ولقد بلغ في سنة بذلك ما لم يبلغه غيره في الدهر. ولقد كان أبطال الرجال وأنجادهم من أهل الفتنة يذعنون إليه دون محنة، ويرسلون إليه بالطاعة قبل أن يطلبها. وإن الخبر المستفيض عن الشيوخ أنه، لو عاش المنذر عاما واحدا زائدا، لم يبق برية منافق؛ وأخباره تدل على ذلك. وأول أخباره الدالة على ذلك أنه، لما أتاه موت أبيه، لم يمنعه ذلك من التعريج عن القصد واختصار الطريق، ولا شغله أمر مهم ولا أمر جليل عن آخر؛ فجعل طريقه على رية؛ فهذب أمورها، وولى عليها سليمان بن عبد الملك بن أخطل، وعبد الرحمن بن حريش، وأدخل معهما أهل المعاقل من العرب والحشم. ثم جمع في يوم ولحد مبايعته، وإعطاء الجند، والنظر فيما أسقط من الأزمة عن الرعية، وما فعله من الاستحماد إلى أهل قرطبة بإسقاط العشور عنهم، والنظر في الندب وإخراج القائد. وهكذا كان فعله في جميع أسبابه؛ ويحسب ذلك كان انقياد الأشياء له.
[خلافة عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن الحكم]
كنيته: أبو محمد. مولده: في النصف من ربيع الآخر سنة ٢٢٩. أمه: تسمى بهار وقيل: عشار. حجابه: اثنان: عبد الرحمن بن شهيد وابن السليم. وزراؤه: ستة وعشرون. كتابه: ثلاثة: عبد الله بن محمد الزجالي، وعبد الله بن محمد بن أبي عبدة، موسى بن زياد. صفته: أبيض، مشرب