أن قال له المعز: إنما تريد انفرادك، حسدا منك لقومك! فعزم مونس على الخروج إليهم، بعدما قدم العذر وأشهد بعض رجال السلطان. ثم رحل متوجها نحوهم، فنادى في القوم وحشدهم ووعدهم وغبطهم ووصف لهم كرامة السلطان والإحسان لهم، ثم قدم في ركب منهم، لم يعهدوا نعمة. ولا طالعوا حاضرة، فلما انتهوا إلى قرية، تنادوا (هذه القيروان) ونهبوها من حينها.
فلما ورد الخبر على القيروان، عظم الأمر على المعز بن باديس وقال: إنما فعل مونس هذا ليصحح قوله، فأمر بثقاف أولاده وعياله، وختم على داره حتى يعلم ما يكون من أمره. فلما بلغ مونسا ما فعل بأهله وولده اشتدت نكايته، وعظم بلاءه وقال: قدمت النصيحة، فحاق الأمر بي، ونسبت الخطيئة إليّ! فكان أشد إضرارا من القوم. وكان قد علم عورات القيروان. ثم أخرج السلطان إليهم بعض الفقهاء، ومهم مكاتبات وشروط ووصايا، وأعلموهم أن السلطان قد دفع عيالاتهم لهم، ولخذوا عليهم العهود والمواثيق بالرجوع إلى الطاعة، وأرسلوا شيوخا منهم بذلك، ثم بعد ذلك نكثوا على السلطان، واستولوا على الفساد في كل جهة ومكان.
[ذكر هزيمة العرب للمعز بن باديس]
لما كان ثاني عيد الأضحى من هذه السنة كانت الداهية العظمى والمصيبة الكبرى وذلك أن السلطان عبد بوم الاثنين ومشى صباح هذا اليوم إلى ناحية قرية تعرف بني هلال، فلما كان نصف النهار، أتته الأخبار أن القوم قد قربوا منه بأجمعهم. فأمر بالنزول في أوعار وأودية، فلم يستتم النزول حتى حمل العرب عليهم حماة رجل واحد. فانهزم العسكر، وصبر العز صبرا عظيما، إلى أن وصلت رماح العرب إليه، ومات بين يديه خلق