ثم ولى أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز - رضي الله عنه - السمح بن مالك على الأندلس، وأمره أن يحمل الناس على طريق الحق، ولا يعدل بهم عن منهج الرفيق، وأن بخمس ما غلب عليه من أرضها وعقارها، ويكتب إليه بصفة الأندلس وأنهارها. وكان رأيه نقل المسلمين منها وإخراجهم عنها، لانقطاعهم عن المسلمين واتصالهم بأعداء الله الكفار؛ فقيل له:(إنّ الناس قد كثروا بها، وانتشروا في أقطارها؛ فأضرب عن ذلك) فقدم السمح الأندلس، وامتثل ما أمره به عمر - رضي الله عنه - من القيام بالحق، وإتباع العدل والصدق؛ فأنفرد السمح بولايتها؛ وعزلها عمر عن ولاية إفريقية، اعتناء بأهلها، وتهمما بشأنها.
وكان المسلمون، إذ فتحوا قرطبة، وجدوا بها آثار قنطرة فوق نهرها، على حنايا وثاق الأركان من تأسيس الأمم الدائرة، قد هدمها مدود النهر على مرّ الأزمان. فتقدم إلى فضيلة النظر فيها عمر بن عبد العزيز - رضي الله عنه - عندما اتصل به خبرها؛ فأمر السمح بابتنائها؛ فصنعت على أثمَّ وأعظم مما بنى عليه جسر من حجارة سور المدينة.
وفي سنة ١٠١، ورد كتاب أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز على السمح بن مالك بالأندلس، يأمره ببناء القنطرة بصخر السور، وبناء السور باللبن، ويأمره بإخراج خمس. قرطبة. فخرج من الخمس البطحاء المعروفة بالربض. فأمر الخليفة عمر أن يتخذ بها مقبرة للمسلمين؛ فتمَّ ذلك.
وقتل السمح - رحمه الله - بطرسونة، وذلك أنه غزا الروم في سنة ١٠٢؛ فاستشهد - رحمه الله - يوم عرفة؛ فكانت ولايته سنتين وأربعة أشهر. وقيل: ثمانية أشهر؛ وقيل: ثلاث سنين.
[ولاية عبد الرحمن بن عبد الله الغافقي الأندلس]
ثم ثدَّم أهل الأندلس على أنفسهم عبد الرحمن بن عبد الله الغافقي هذا؛ فدخلها في شهر ذي الحجة سنة ١٠٢.