برأيهم؛ فتوافقوا فيما بينهم النهوض إلى قتله؛ فكفوا وجبنوا؛ فبدرهم محمد بن أبي عامر وقال:(يا قوم إني أخاف فساد أمركم، ونحن تبع لهذا الرئيس وأشار إلى جعفر، فينبغي ألا نختلف عليه، وأنا أتحمل ذلك عنكم إن أجذبني إليه؛ فاحفضوا عليكم!) فأعجب جعفرا والجماعة ما كان منه، وولوه شانه، وقالوا له:(أنت أحق بتولي كبره لخاصتك بالخليفة هشام ومحللك من الدولة.) فأرسل جعفر معه طائفة من الجند الأحرار، وثق بهم لذلك.
[مقتل المغيرة بن عبد الرحمن الناصر]
فركب محمد بن أبي عامر إلى المغيرة من ساعته، وركب معه بدر القائد مولي الناصر في مائة غلام من غلمان السلطان، ووقف لهم خارج باب دار المغيرة، وأحاط سواه من أصحاب محمد بجهاتها، واقتحم محمد عليه؛ فوجده مطمئنا على غير استعداد؛ فنعى إليه أخاه الحكم، وعرفه بجلوس ابنه هشام في الخلافة، وأن الوزراء خشوا خلافه، فأنفذوه لامتحان القصة. فاشتد ذعره؛ ثم استرجع عليه، واستبشر يملك ابن أخيه، وقال:(أعلمهم أني سامع مطيع واف ببيعتي؛ فتوثقوا مني كيف شئتم!) وأقبل يستلطف ابن أبي عامر، ويناشده الله في دمه، ويسأله المراجعة في أمره، حتى رق له محمد، وكتب إلى جعفر يصدقه عنه ويصف له الصورة التي وجده عليها من السلامة والطمأنينة، ويستأذنه في شأنه. فرد عليه جعفر يلومه في التأخير، ويعزم عليه في التصميم، ويقول له:(غررتنا من نفسك؛ فانفذ لشأنك؛ أو فانصرف، نرسل سواك.) فحمى محمد لجوابه، وعرض الرقعة على المغيرة، وجعلها بيده، وزال عن وجهه، وأدخل عليه تلك الطبقة؛ فقتلوه خنقا في مجلسه، وعلقوا جسده في مخدع يتصل بمجلسه، كهيئة المختنق من تلقاء نفسه، وذلك كله بمعاينة حرمه. ثم أشاعوا أنه خنق نفسه، لما أكرهوه على الركوب لابن أخيه؛ فطاح دمه على هذه الصورة.