أخرِجَ من قَصرِ إمَامِ الهُدَى ... كُلُّ فَتَى مُنْبَسِط جائِر
فَمَن رَأينا مِنهمُ قال لا ... مَسَاسِ فِعلِ الناسِ بالسامِرِ
فَخَفَّ ظَهرُ المِلَكِ المُرتَضَى ... قَد خَفَّ من ثِقلِهمُ الظاهِرِ
وسِاِلِ ماءُ العِلمِ من وَجهِهِ ... مُذْ زَالَ من جَهلِهمُ الخاثِرِ
فلازَمَ الإقرَاءَ في قصره ... مَعَ الوزيرِ الخَيِرِ الطاهِرِ
وقلد جعفر المصحفي أمر القصر والحرم، بعد إخراج هاؤلاء الفتيان، سكرا صاحبهم؛ فسكن أنفس الصقالبة، وأجراهم على الطاعة؛ فأصغوا إليه إلى أن استهاجهم جوذر الفتى عظيمهم عند الظهور الذي هم به.
فلما هم لابن أبي عامر تدبيره في الصقالبة، جعل يتوصل إلى تقلد جيش المملكة، والقيام بجهاد العدو دون الجماعة؛ وكان العدو جاس بلاد المسلمين، وطمه في انتهاز الفرصة فيهم؛ فأنف ابن أبي عامر من ذلك، وأشار على الحاجب جعفر بتجهيز الجيش والاعتداد للجهاد، وعرض القيام به على جميع الأكابر؛ فكلهم كع عنه إلا ابن أبي عامر؛ فإنه بادر إليه على أن يختار من يخرج معه من الرجال، ويتجهز لغزوه بمائة ألف دينار. فاستكثر ذلك بعض من حصر؛ فقال له محمد بن أبي عامر:(خذ ضعفها وامض! وليحسن غناؤك!) فخام المعترض عن ذلك، وسلم الجيش والمال إلى ابن أبي عامر؟
[غزوة محمد بن أبي عامر الأولى]
فخرج لثلاث خلون من رجب من سنة ٣٦٦، ودخل على الثغر الجوفي. فنازل حصن الحامة من جليقية؛ فحاصره، وأخذ ربضه، وغنم وسبى؛ وقفل بالسبي والغنائم إلى قرطبة إلى ثلاثة وخمسين يوما. فعظم السروربه، وأخلص الجند له، لما رأوا من كثرة جوده، وكرم عشرته، وسعة مائدته؛ فأحبوه والتقوا به؛ وكثر إحسانه إليهم وإفضاله عليهم، إلى أن أدرك بهم سولة، وبلغ مأموله