وهو في ثلاثة آلاف فارس فقاتله حتى انهزم عسكره، وأخذ غندماره أسيرا، وقتل من أصحابه عدد كثير. وأصاب العسكر جميع ما في تلك الناحية. وتقدم مستنجزا لإذفونش؛ فلما بلغه قصده إليه، تنحى عن الجبل الذي كان فيه منحازا عنه إلى حصن له، كان قد بناه وأتقنه على وادي نلون؛ فتقرب منه عبد الكريم مقتفيا لأثره، ولا يمر بمنزل فيما بينه وبينه إلا حرقه، ولا بمال إلا أصابه، حتى أطل على الحصن. فانتقل منه إلى حصن ملكه. واحتل عبد الكريم بالحصن الذي انتقل منه؛ فألقى فيه الأطعمة وضروب الذخر، وبعث في اليوم الثاني من حلوله به فرج بن كنانة، في عشرة آلاف فارس، يقفو أثره؛ فلما قرب منه، انهزم عنه وأسلم جميع عدته وذخره؛ فغنم المسلمون جميع ذلك.
وفي سنة ١٨٠، توفي الإمام هشام بن عبد الرحمن - رحمة الله عليه! - ودفن بقصر قرطبة؛ وصلى عليه ابنه الحكم؛ وذلك ليلة الخميس، كما تقدم ذكره. وبايع الناس ابنه الحكم؛ وكان ابنه عبد الملك أسن منه.
[ذكر بعض أخباره على الجملة]
كان - رحمه الله! بسط البنان، فصيح اللسان، وسبع الجناب، حاكما بالسنة والكتاب؛ قبض الزكوات من طرقها، ووضعها في حقها؛ لم يأخذه في الله لوم ولا تعلق به ظلم. ارتفع أخوه عن مبايعته، وامتنع عن طاعته، واستبد بطليطلة استبدادا، واستنفر للخلاف والنفاق أجنادا؛ فما زال يشتغل بالفتنة بالا، ويذيق الناس وبالا؛ قد عظمت عليه به المحنة، وعدمت منه الهدنة، حتى مات الأمير هشام، وحكمت بخلافة ابنه الحكم الأحكام؛ فحاربه في تلك القطار، إلى أن اختطفته الأسنة والشفار؛ فأمن بعد ذلك الجانب، ولم يكن في ذلك التأريخ هنالك ما جنب.