وغيرهم؛ فأتوهم في هيئة المنهزمين، ومعهم السلاح؛ فأدخلوهم المدينة؛ فلما علم موسى بدخولهم، بعث الخيل إليهم ليلا؛ ففتحوا لهم باب المدينة، وهو الباب المعروف بباب قرطبة؛ فوثبوا على الأحراس؛ فقتلوهم. ودخل المسلمون المدينة عنوة.
[فتح إشبيلية]
لما فتح موسى قرمونة، تقدم إلى إشبيلية، وهي من أعظم قواعد الأندلس شأنا، وأتقنها بنيانا، وأكثرها آثارا. وكانت دار ملك روم رومة قبل غلبة القوطيين على الأندلس؛ فلما غلب القوطيون عليها، استوطنوا طليطلة، وأقروا بها ملكهم؛ وبقى بمدينة إشبيلية علماء أهل رومة وكُتابهم ورؤساؤهم. فاحتلَّ بها موسى بن نصير، وحاصرها أشهرا؛ ففتحها الله عليه، وهرب منها علوجها إلى مدينة باجة.
[فتح ماردة]
وتقدم موسى إلى مدينة ماردة؛ وكانت دار ملك في سالف الأيام. وكانت فيها آثار عجيبة، وقنطرة، وقصور، وكنائس، تفوق وصف الناظرين؛ وهي إحدى القواعد الأربع بالأندلس التي ابتناها أكتبيان قيصر. وهي قرطبة، وإشبيلية، وماردة، وطليطلة. فخرج أهلها إلى حربه نحو الميل منها؛ فحاربهم حتى صرفهم إلى المدينة. فلما انجلت الحرب، وكفَّ عن القتال، طاف موسى بالمدينة؛ فرأى نقبا كان لمقاطع الصخر؛ فكمن فيه الرجال ليلا. فلما أصبح، زحف إليهم؛ فخرجوا كخروجهم في اليوم قبله؛ فخرج عليهم الكمين وزحف إليهم المسلمون؛ فركبوهم؛ فقتلوا أبرح قتل، ولجأ من بقى منهم إلى المدينة؛ فحاصرهم أشهراً، حتى عمل دبابة؛ فدب المسلمون تحتها إلى برج من أبراجها؛ فنقبوا صخرة؛ فلما نزعوها، أفضوا إلى صخرة صماء نبت المعاول عنها ويئسوا منها؛ فبينا هم يضربون عليها، إذ استثار العلوج عليهم؛ فاستشهد المسلمون تحت الدبابة. فسمى ذلك البرج