الجزيرة؛ وتأبش إليه جماعة من أهل الشر والفساد؛ فأخرج إليه عبد الرحمن الأجناد. فلما وصلوا إليه، ألقوا البربر قد قصدوا حبييا ومن تأبش إليه؛ فتغلبوا على المعقل الذي كان انضوى إليه، وأخرجوه عنه، وقتلوا عدة كثيرة من أصحابه. وافترق بقيتهم عنه، ودخل حبيب في غمار الناس. فكتب الأمير عبد الرحمن إلى عمال الكور بالبحث عنه.
وفي سنة ٢٣٧، قام رجل من المعلمين بشرق الأندلس؛ فادّعى النبوءة، وتأول القرآن على غير تأويله؛ فاتبعه جماعة من الغوغاء، وقام معه خلق كثير. وكان من بعض شرائعه النهي عن قص الشعر وتقليم الأظفار، ويقول:[لا تغيير لخلق الله!] فبعث إليه يحيى بن خالد؛ فأتى به. فلما دخل عليه، كان أول ما خاطبه به إن دعاه إلى اتباعه والأخذ بما شرع؛ فشاور فيه أهل العلم؛ فأشاروا بأن يستناب فإن تاب، وإلا قتل. فقال:(كيف أتوب من الحق الصحيح!) فأمر بصلبه. فلما رفع في الخشبة، قال:(أتقتلون رجلا أن يقول: ربي الله!) فصلبه، وكتب إلى الأمير يخبره.
وفي سنة ٢٣٨، توفي الأمير عبد الرحمن بن الحكم - رحمه الله! - ليلة الخميس لثلاث خلون من ربيع الآخر من السنة. وما زال يقتني المآثر، وبيني المكارم والمفاخر، حتى قبضته شعوب، وأرداه مردى القبائل والشعوب.
[ذكر بعض أخباره على الجملة وسيره]
لما ولي الأمير عبد الرحمن، بعث في اخوته وأهله ووزرائه؛ فبايعوه، وبايعته العامة. ثم صلى على أبيه الحكم. فلما قضى صلاته وواراه، جلس بالأرض متطأطئا، ليس تحته وطاء، وجلس من كان معه. ثم افتتح القول؛ فقال: (الحمد لله، الذي جعل الموت حتما من قضائه، وعزما من أمره، وأجرى الأمور على مشيته؛ فاستأثر بالملكوت والبقاء، وأذل خلقه بالفناء؛ تبارك