واستدعى المنصور ابنه عبد الله إلى عسكره خوف أن يحدث حدثا بأنفته؛ فوافي العسكر؛ فرفق به أبوه، وأمل استصلاحه، وقد تباعد ذلك عليه لسقم سريرته وشدة حقده. ونازل المنصور أثناء ذلك مدينة شنت أشتبين؛ فلما اشتغل المسلمون بالقتال، فرَّ عبد الله بن المنصور من العسكر في ستة نفر من غلمانه؛ فلحق بعدو الله غرسية بن قرذلند صاحب آلبة؛ فقبله وأجازه على أبيه؛ فتحرك المنصور لغزو غرسية ومطالبته بإسلام ابنه إليه، وأقسم له أنه لا يقلع عنه حتى يمكنه من ولده. وأصر غرسية على الامتناع من ذلك؛ فهزم المنصور غرسية، وفض جمعه، واشتق بلد آلبة، وافتتح حصن وخشمة عبوة، أسكنه المسلمين؛ فضرع غرسية في مسالمته على ما شار من شروطه في عبد الله وغيره؛ فعقد له المنصور على ذلك؛ فوكل غرسية بعبد الله جماعة من العلوج؛ وحمل عبد الله وأصحابه على البغال. وخرج سعد الخادم يستقبل عبد الله؛ فدنا من سعد وهو على بغل فاره، مرتفع الحلية، عليه ثوب عجيب الصنعة، وهو متطلق، قوي الرجاء في الإقالة. فقبل سعد يده، وأنسه، وهون عليه الخطب؛ ثم تخلف عنه بقرب الوادي الجوفي، ووكل به من قتله؛ فحفَّ به الموكلون وأعلموه بموته.
[ذكر مقتل عبد الله المنصور]
ولما أعلموه بأن حلَّ به ما كان يحذره، أمروه بالنزول؛ فلم يمتنع لهم وترجل، ومشى إلى السيف متطلقا؛ فظهرت منه عند الموت صرامة، عجب لها من شاهده؛ وتقدم إليه ابن خفيف الشرطيُّ؛ فضرب عنقه صبرا عند غروب الشمس من يوم الأربعاء لأربع عشرة ليلة خلت من جمادى الآخرة سنة ٣٨٠. وأنفذ المنصور رأس ابنه إلى الخليفة مع كتاب الفتح؛ ودفن جسده في الموضع الذي قتل فيه. وكان سنه يوم قتل ثلاثا وعشرين سنة، وذلك في غزوته الخامسة والأربعين. ثم إنَّ ابن أبي عامر استثقل سعدا وابن خفيف، ولم يزل