تلفوا بالموت والجوع والحصار؛ فلما لم يبق منهم إلا ثلاثمائة رجل، ورأى ذلك المرتبون معهم على حصارهم، استقلوهم؛ فتركوهم؛ فلم يزالوا يزدادون حتى كانوا سبب إخراج المسلمين من حليقية، وهي قشتيلة. وأما قرقوشة، فذكر عبد الملك ابن حبيب أنها افتتحت في زمن هشام بن عبد الملك صلحا. وكان الافتتاح كما ذكرته في بقية سنة ٩٢ وبعض سنة ٩٣ من الهجرة.
وكان السبب في جواز موسى بن نصير إلى الأندلس أنه أغرى بطارق عبده. وذكر له ما أفاء الله عليه؛ فكتب له موسى بأقبح السبّ، وأمره ألاَّ يتجاوز قرطبة، حتى يقدم عليه. قال ابن القطان: قيل: إنما حمله على الجواز للأندلس تعدّى طارق ما أمره به ألاَّ يتعدَى قرطبة، على قول، أو موضع هزيمة لذريق، على قول. وقيل أيضاً: إنما حمله على ذلك الحسد لطارق على ما أصاب من الفتوح والغنائم. وقيل أيضاً: إنما جاز باستدعاء طارق اياه؛ فكان جوازه في رمضان، كما تقدّم.
قال الرازي: وحدّث الواقدي عن موسى بن عليّ بن رباح، عن أبيه، قال: خرج موسى بن نصير في عشرة آلاف من إفريقية، مغضبا على طارق، وتقدّم يريد الأندلس؛ فدخلها ونزل الجزيرة. فقيل له:(أسلك طريق طارق!) فقال: (لا، والله، أسلك طريقه!) فقال له الأدلاء من الأعلاج: (نحن ندلك على طريق هي أشرف من طريقه، وعلى مدائن هي أعظم خطرا من مدائنه، لم تفتح، يفتحها الله على يديك إن شاء الله!) فامتلأ موسى سرورا؛ فساروا به إلى مدينة شذونة؛ فافتتحها عنوة؛ وهي أوّل فتوحاته.
فتح قَرْمُونَة
ونهض موسى مع أدلائه من شذونة إلى قرمونة؛ ولم يكن بالأندلس أحصن منها ولا أبعد من أن تنال بحصار أو قتال. فسأل موسى عن أمرها؛ فقيل له:(لا تؤخذ إلا باللطف والحيل!) فقدَّم إليها علوجا كانوا من أصحاب يليان