وذلك أن عبد الله بن محمد بن أبي عامر كان مقيما بسرقسطة عند عبد الرحمن، متغير النفس على أبيه لإحظائه عبد الملك أخيه. وكان عبد الله يرى أنه أشجع وأفهم وأرجل وأفرس من أخيه عبد الملك، وأن أباه عين الظالم له في النسوية بعبد الملك؛ فكيف في تقديمه عليه. فكان في قلبه على أبيه سعير نار، أذكاها عبد الرحمن بن مطرف وأضرمها. فتوطئا على الوثوب بالمنصور في أول فرصة، على أن يقسما ملك الأندلس: فالحضرة لعبد الله، والثغر لعبد الرحمن. وشرعا في إحكام سيل ذلك والتماس وجهه؛ وساعدهما عليه جماعة من وجوه أهل قرطبة من الجند والخدمة وغيرهم، فيهم الوزير عبد الله بن عبد العزيز المرواني صاحب طليطلة. فانبثت أراجيف شنيعة تحقق المنصور صحتها، ولم يشك فيها؛ فاستدعى ابنه عبد الله من سرقسطة، واستأنف له كثيرا من التقديم والمبرة، خديعة ومغالطة؛ وصرف المرواني عن طليطلة صرفا جميلا؛ ثم صرفه عن الوزارة بعد مديدة، وألزمه داره. ثم خرج ابن أبي عامر غازيا إلى قشتيلة؛ فتوافت إليه أمداد الثغور، فيهم عبد الرحمن بن مطرف ورجال سرقسطة؛ فلما صاروا بوادي الحجارة، أطبق أهل الثغور على الشكوى بعبد الرحمن، بدسيسة من ابن أبي عامر لهم في ذلك، حيلة منه؛ وذكروا أنه يحتبس أرزاقهم، ويحتجن لنفسه. فصرفه المنصور عن سرقسطة منسلخ صفر من سنة ٧٩ المذكورة، وقلدها مكانه (ابن أخيه عبد الرحمن بن يحيى) الملقب بسماجة، إطماعا لقومه النجيبيين في المحافظة. ولبث عبد الرحمن في العسكر مترددا إلى أن قبض عليه يوم الثلاثاء لاثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الأول. وسخط عليه المنصور، وأمر بحسابه؛ ثم قتل بعد ذلك بالزاهرة بين يدي المنصور.