برج الشهداء، وبه يعرف إلى اليوم؛ فحميت عند ذلك نفوس العلوج، وثابت إليهم أنفسهم. ثم خرجت إليهم رسل، وتعرضت للصلح؛ فساروا إلى موسى؛ فرأوا رجلا أبيض الرأس واللحية؛ فكلموه بما لم يوافقهم عليه ولم يرضه؛ فرجعوا عنه، ولم يعقدوا شيئاً؛ ثم عاودوه يوما آخر؛ فألفوه قد حمر رأسه ولحيته بالحناء؛ فعجبوا منه، وراعهم ما رأوه؛ ولم يتم لهم أمر؛ ثم عاودوا إليه في اليوم الثالث، وذلك يوم عيد الفطر؛ فألقوه قد سود رأسه ولحيته؛ فرجعوا إلى المدينة، وقالوا لمن فيها:(ويحكم! إنها تقاتلون أنبياء يتشببون بعد المشيب! قد عاد ملكهم حدثا بعد أن كان شيخا!) فقالوا!: (اذهبوا إليه وأعطوه ما سألكم!) فوصلوا إليه، وصالحوه، وانعقد أمرهم على أن جميع أموال القتلى يوم الكمين وأموال الغائبين بجليقية وأموال الكنائس، ذلك كله للمسلمين. ثم فتحوا له الباب من يومهم ذلك، وهو مستهل شوال من سنة ٩٤ من الهجرة.
[فتح إشبيلية ثانية]
وذلك، لمّا اشتغل موسى بن نصير بحصار ماردة، ثار عجم إشبيلية، وارتدوا، وقاموا على من كان فيها من المسلمين. وتجالب فلهم إليهم من مدينتي ليلة وباجة؛ فقتلوا من المسلمين نحو ثمانين رجلا. وبلغ الخبر بذلك إلى موسى بن نصير؛ فلما استتم فتح ماردة، بعض ابنه عبد العزيز بجيش إلى إشبيلية؛ فافتتحها، وقتل أهلها.
[فتح لبلة]
لما استتم فتح إشبيلية، تقدم عبد العزيز بن موسى بجيشه إلى لبلة؛ فافتتحها، وانصرف إلى إشبيلية؛ فدخلها أيضا.